لم تترك مكانا في شقتها الصغيرة الكائنة بمدينة الإسماعيلية إلا وصور ابنيها "علي وعبد الرحمن " تزين جدرانه..هنا صورة "علي" بين أقرانه في المدرسة وهناك صورة لـ"عبد الرحمن" مع زملاءه في الجامعة..كل الذكريات جسدتها على حائط منزلها منذ طفولتهما حتى لحظات وداع كلا منهم لمثواه الأخير .
كانت تتنقل بين الصور وابتسامة عريضة تزين وجهها وهى تسرد كم كان "علي " مرحا ومولعا بالرياضة وكم كان "عبدالرحمن "عقلانيا يعشق القراءة.
قبل فض رابعة بـ40 يوما بالتمام كان موعدها الأخير مع ابنها "علي" 17 سنة وهى تودعه محملا على الأكتاف بعد وفاته برصاصة أودت بحياته في الحال أثناء فض قوات الأمن لمظاهرة نظمها مؤيدو الرئيس محمد مرسي في محيط مبنى محافظة الإسماعيلية.
لم تتخيل بعدها لحظة ان ابنها البكر "عبد الرحمن" طالب الهندسة سيكون هو الآخر على موعد مع الموت وسيلقي حتفه أثناء عمليات فض ميدان رابعة في الرابع عشر من أغسطس عام 2013 ليلحق بشقيقه ويتركاها في الألم وأحزان لا تنتهي .
عامان مرا على فراق ابنيها حاولت أن تتغلب فيهم على الحزن بالأمل والصبر وبالتقرب الى الله تغلبها الدموع أحيانا لكنها سرعان ما تمسحها لتظهر ابتسامتها وهي تردد "هذه بضاعة الله ردت إليه ونحن على العهد باقون" وهو ما جعل معارضو النظام في الإسماعيلية يطلقون عليها لقب "خنساء الاسماعيلية ".
تقول هدى عبدالرحمن 42 عاما مدرسة بالإسماعيلية "فقدت علي، وعبدالرحمن في 40 يوما كلاهما لقى ربه وهو واقفا في الميدان يدافع عن الحق على حد قولها.
وتضيف" كان يوم الخامس من يوليو 2013 عندما خرجنا في مسيرة مهيبة من مسجد الصالحين بالإسماعيلية واعتصمنا أمام مبنى المحافظة احتجاجا على عزل الرئيس محمد مرسي واستمر يومها الاعتصام حتى العاشرة مساءا كان "علي " ابني وهو طالب في الصف الثالث الثانوي وقتها مسئولا عن تأمين المسيرة وبعد العاشرة مساءا قامت قوات الأمن ومعها آخرين بزي مدني بالهجوم على المعتصمين واطلاق النار عليهم وكانت إحدى الرصاصات من نصيب ابني علي أودت بحياته في الحال وارتقى إلى ربه وهو رافعا اصبع السبابة باشارة التوحيد واحتسبته عند الله شهيدا.
وتابعت " يومها كان ابني الأكبر "عبدالرحمن" معتصما في ميدان رابعة مع رفاقه وعندما علم بخبر وفاة أخوه عاد مسرعا واتذكر يومها بعد تشييع جثمان "علي" ظل عبدالرحمن يبكي ويرتمي في حضني وهو يقول لي "يا أمي "علي" طلع أصدق مني عند ربنا ..يا أمي ربنا ارتقى بعلي في الجنة وأنا لاء وظل يبكي فما كان مني غير انني احتضنته ودعوت له الله ان يرزقه حسن الخاتمة و الشهادة ".
واستكملت" بعد انتهاء أيام الحداد الثلاثة عاد عبد الرحمن ليستمر اعتصامه في ميدان رابعة بالقاهرة مع والده وكان دائما يحادثني هاتفيا ليطمئن عليا وعلى شقيقاته خديجة، ومريم، وعائشة ويطلب مني أن أدعوا له أن ينال الشهادة ".
واستطردت " يوم فض رابعة كان الوضع صعبا للغاية وعلمت أن عدد من أصدقاء عبد الرحمن ارتقوا إلى الله وكأي أم كان قلبي يرتجف على ابني وكل المعتصمين حتى جاءني خبر استشهاده "واضافت " وحده الله هو الذي كان يعلم بقلبي وحالي كنت أردد "يارب تقبلهم مني ..يارب بضاعتك وردت إليك اقبلهم مني ".
وبنبرة صوت حزينة تقلو "كان لنا موعد آخر في البحث عن جثمانه الذي فقدانه في الميدان وظننا انه احترق مع جثامين الضحايا الذين أشعل النيران فيهم داخل الميدان حتى جائني تليفون أن جثمان عبدالرحمن في احدى المستشفيات بالقاهرة ذهبت إلى هناك وأنا أحاول أن أجمع قوتي مع والده وتعرفت على جثمانه واحتضنته كانت الدماء لا تزال تنزف منه".
"وتابعت "خرجنا بجثمانه من القاهرة وعدنا للاسماعيلية وشيع في جنازة مهيبة ودفن بجوار شقيقه "وقالت "مر عامين على وفاة علي وعبدالرحمن ولكن الله رزقني قوة وصبر واحتساب جعلتني اتقرب إلى الله، اتمنى من الله أن يكون قبل مني علي وعبدالرحمن وكانا ذخرا لي وبابا لي إلى الجنة إن شاء الله ".
وتستكمل "تمر الأيام عليا وكل يوم اسمع وأرى بعيني شباب جدد يتساقطون هنا وهنا فالانقلاب لم يكتفي بمجزرته في رابعة وظل حتى يومنا هذا يصفي شبابنا واحد تلو الآخر وكلما سقط شابا أظنه عند الله شهيدا وفي المقابل يتألم قلبي على أمه".
وتؤكد الخنساء أن ضحايا الشرطة والجيش يؤلموا قلبها قائلة" النظام الذي قتل المعارض هو أيضا يقتل مؤيديه ليفرض سيطرته على البلاد اكثر الله غالب على أمره وسيأتي يوما ترد فيه المظالم ويأتي الفتح من عند الله ولابد أن نستعد لهذا اليوم بالتقرب إلى الله فقد يؤخر النصر ساعة بسبب ذنوب اقترفناه وطاعات ابتعدنا عنها ..وقد يأتي النصر بعد رحيلنا وهو ما يدفعني دائما أن أردد للجميع "أروا الله من أنفسكم خيرا ".
مصر العربية

