بقلم د/ محمد زويل
استشاري الإدارة الاستراتيجية
منذ عدةأسابيع حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن للعدو الصهيوني بأنه قد يواجه هزيمة استراتيجية في قطاع غزة، هو تصريح كاشف لأزمة العدو ومدى المخاوف التي تعيشها أمريكا من نتائج المعركة الراهنة. أوستن قال إنه: "في هذا النوع من القتال، يكون السكان المدنيون هم مركز الثقل. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فسوف تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية". وهو ما يعني أن الإمعان في قتل المدنيين وزيادة عدد الضحايا لا يشكل نصرًا عسكريًا في ذاته، ولا يحمل أي بعد استراتيجي، بل على العكس قد يشكل هزيمة على المدى الاستراتيجي البعيد.
هذا التصريح وغيره من التحليلات التي تتحدث عن سيناريوهات الحرب ونهاياتها المتوقعة، والتقييمات المتباينة للنصر والهزيمة، يجعلنا نفتح ملفًا استراتيجيًا هامًا، يتعلق بأنواع النصر من المنظور العسكري، وكذلك السيناريوهات المختلفة للحروب ونتائجها، ومن هذا الملف يمكن تبيّن حقيقة النصر الاستراتيجي وكيف يتحقق في المعركة الراهنة؟
هنا يمكن طرح السيناريوهات المختلفة للمعارك والحروب العسكرية لمواصفات النصر والهزيمة، طبقا لما قررته العلوم العسكرية:
أولا النصر الحاسم: هو الذي ينتهي بتحطيم قوات الخصم وشل قدراته بحيث يصبح عاجزًا عن مواصلة القتال، أي توجيه ضربة قاضية لقدرة الخصم العسكرية وإنهاء تهديده تمامًا.
ثانيًا النصر الاستراتيجي: هو الذي يتم فيه تدمير جزء مؤثر من قوات الخصم أو آلته العسكرية أو الاستيلاء على موقع أو مواقع شديدة الحيوية ومؤثرة كثيرًا في سير العمليات العسكرية بما يؤدي لتحول اتجاه الحرب وانتزاع زمام المبادرة من طرف إلى طرف آخر.
ثالثًا النصر التكتيكي: هو انتصار يعني تحقيق مكسب على الأرض دون أي تأثير على قدرة الخصم على مواصلة الحرب لا يؤدي لتدمير قوات الخصم ولا حتى جزء مؤثر من تشكيلاتها ولا حصارها أو تطويقها، وبالتالي، فإن النصر تكتيكي
رابعًا حالة التعادل: أن الحرب أو المعركة استقرت على إنجازات عسكرية للطرفين دون أن تعطي تفوقًا واضحًا لأي طرف.
خامسًا- الطريق المسدود: وهو أن الحرب كانت عقيمة في نتائجها العسكرية النهائية وتحولت لإلحاق الخسائر بين الطرفين دون جدوى ومردود.
والمتابع لحرب على غزة يدرك أن العدو الصهيوني بحكومته المتطرفة الفاشية يريدان تحقيق نصر حاسم على المقاومة، وقد ذكرت (CNN) أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، قال، إن الحرب ضد حركة "حماس" يجب "ألا تتوقف حتى تحقق إسرائيل 3 أهداف رئيسية: القضاء على حماس، وإعادة رهائننا، والتأكد من أن غزة لن تشكل بعد الآن تهديدا لإسرائيل وحتي الان لم تحقق الحكومة الصهيونية أي هدف من الثلاثة وقد دخلت الحرب شهرها العاشر.
أما المقاومة الفلسطينية لا شك أن هدفها الاستراتيجي هو التحرير الكامل وتحقيق النصر الحاسم الذي لا يسمح للعدو ولا لأي محتل أن يتجرأ على الغزو والاحتلال لأي شبر من الأراضي الفلسطينية والقدس الشريف وان كانت تسير الي ذلك بخطي تكتيكية مرحلية.
بحسب ان طبيعة الصراع العربي الإسلامي مع الصهاينة هي صراع وجودي وهو صراع قائم على الإرادة، أي أن الهدف الاستراتيجي للطرفين هو كسر الإرادة وبالتالي تحقيق النصر الحاسم. يبدو هنا أن الصراع الراهن يتمحور حول الحصول على النصر الاستراتيجي باعتبار أن الميدان لا يسمح بنصر ساحق لأحد الطرفين وفقا للمعطيات والظروف الراهنة.
ولأسباب موضوعية تتعلق بامتلاك الأعداء لآلات القتل والقدرات الجوية والتواطؤ الدولي والعربي الرسمي، فإن المقاومة الفلسطينية تسعى في هذه المرحلة لتحقيق النصر الاستراتيجي والقائم على صد العدوان وإفشاله والاحتفاظ بقدرات المقاومة وخيارها وشرعيتها وسلاحها واستنزاف العدو باعتبار الوقت في صالح المقاومة وتناميها وانتصار إرادتها في نهاية المطاف.