تُعَدّ قضية اختطاف الأطفال من قبل الاحتلال الصهيوني واحدة من أبرز المشكلات الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني. هذه القضية ليست جديدة، بل هي جزء من تاريخ طويل ومعقد من التوترات والصراعات المستمرة في المنطقة. منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، شهدت القضايا المتعلقة باختطاف الأطفال والتحقيق معهم أو احتجازهم بأعداد كبيرة، تصعيداً كبيراً. يسلط هذا التقرير الضوء على تاريخ هذا الانتهاك، أسبابه، وتداعياته، وكيفية تأثيره على المجتمع الفلسطيني.
بدأت عمليات اختطاف الأطفال في الأراضي الفلسطينية منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1948. في السنوات اللاحقة، استمر هذا الانتهاك كجزء من سياسات الاحتلال التي تهدف إلى السيطرة على الشعب الفلسطيني وإخضاعه. تزايدت حالات اختطاف الأطفال بشكل ملحوظ خلال فترات النزاع والتصعيدات العسكرية، حيث تم القبض على الأطفال والاحتفاظ بهم كوسيلة للضغط على عائلاتهم وللحد من نشاطاتهم السياسية والاجتماعية.
في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة، استغل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حملة التطعيم ضد فيروس شلل الأطفال لتحسين صورة "إسرائيل" على الساحة الدولية، بالرغم من استمرار الإبادة بحق المدنيين في غزة. حيث أعلن نتنياهو عن تطعيم "أعداد كبيرة من سكان غزة" ضد شلل الأطفال، وأشاد بما وصفه بـ "الحرب العادلة" التي تخوضها "إسرائيل" بإجراءات "عادلة" لتقليل عدد القتلى، رغم وجود أدلة على انتهاكات جسيمة.
تقول التقارير إن أكثر من 40 ألف فلسطيني قُتلوا وأصيب نحو 100 ألف خلال الحرب الحالية، مع إبلاغ عن اختفاء آلاف الأطفال. في تطور مقلق، أُفيد بوجود بعض الأطفال المفقودين في حوزة جنود الاحتلال، خاصة بعد اعتراف أحد الجنود، الذي قُتل لاحقاً في خانيونس، بخطف رضيعة فلسطينية. وقد أثار منشور لجندي إسرائيلي على إنستغرام يظهر فيه طفلة فلسطينية وحدها، جدلاً واسعاً قبل أن يتم حذفه وتحويل الحساب إلى خاص.
وفقاً لتقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" بعنوان "الأطفال المفقودون في غزة"، يقدر عدد الأطفال المفقودين في غزة بنحو 21 ألفاً، بينهم حالات اختطاف واحتجاز قسري. وهذا جزء من تاريخ طويل من استغلال الأطفال الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
في السياق ذاته، فإن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي في اختطاف الأطفال يمتد إلى ما بعد غزة، حيث يعود إلى حادثة اختفاء أطفال اليمن. في نهاية ديسمبر 2016، أفرج الأرشيف الإسرائيلي عن 3500 ملف تحتوي على 210 آلاف وثيقة تتعلق بقضية اختفاء أطفال اليمن، الذين وصلوا إلى "إسرائيل" خلال الأربعينيات والخمسينيات. كشفت الوثائق عن عملية ممنهجة لاختطاف الأطفال اليمنيين، حيث تم فصلهم عن أمهاتهم بحجة العلاج، ثم تم عرضهم على عائلات يهودية للتبني، بل واستخدم بعضهم في تجارب دوائية.
بعض الوثائق كشفت عن عمليات الاختطاف والتجارب الطبية التي تعرض لها أطفال اليمن، مثلما حدث في مستشفى "إيتانيم" حيث تم استغلال الأطفال الرضع في تجارب طبية زعمت أنهم مصابون بأمراض نفسية. وقد أظهرت بعض الوثائق كيف أن الأطفال اليمنيين تم نقلهم إلى مستشفيات متعددة دون إشراف أو إبلاغ لأهاليهم، مما ساهم في استمرار اختفائهم.
وبالنسبة للأطفال الفلسطينيين، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث تُظهر الأحداث الحالية في غزة استمرار الانتهاكات التي عانى منها أطفال اليمن في الماضي. من جهة أخرى، تظل قضية أطفال اليمن غير محسومة حتى اليوم، مع وجود عائلات لا تزال تبحث عن مصير أبنائها بعد أكثر من نصف قرن من اختفائهم.
من خلال هذه الوقائع، يتضح أن قضايا اختطاف الأطفال والتجارب الطبية غير الإنسانية تعد جزءاً من تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يزال مستمراً في انتهاكاته بحق الأطفال في فلسطين، في الوقت الذي يسعى فيه لتحسين صورته على الساحة الدولية بوسائل دعائية زائفة.