قالت صحيفة لوموند الفرنسية: "تتظاهر الإمارات بالانضمام إلى الإجماع العربي بشأن قيام دولة فلسطينية، بينما تطوّر شراكتها الإستراتيجية مع إسرائيل وتحرص على إظهار مساعداتها الإنسانية في قطاع غزة".

جاء ذلك في مقال للكاتب والمؤرخ الفرنسي جان بيير فيلو، تحت عنوان؛ "اللعبة الثلاثية للإمارات العربية المتحدة في غزة" يقول إنه "بينما تطور الإمارات العربية المتحدة شراكتها الاستراتيجية مع "إسرائيل" تتظاهر الإمارات بالانضمام إلى الإجماع العربي حول دولة فلسطينية وتولي عناية خاصة لاستعراض مساعدتها الإنسانية في قطاع غزة.".

وأضاف "لا يوجد بديل لخطة ترامب" لم تُقل هذه التصريحات في الولايات المتحدة أو في "إسرائيل" بل في دبي الشهر الماضي على لسان يوسف العتيبة سفير الإمارات في الولايات المتحدة".

وعن العتيبة أشار إلى أن بن زايد عينه سفيرًا في 2008 وربطت العتيبة علاقات وثيقة مع قادة أمريكيين من مختلف الأطياف وكان العتيبة في قلب مفاوضات معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين "إسرائيل".

وأوضح أن العتيبة القريب جدًا من محمد بن زايد ومن شقيقه الأصغر عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي يعني أن هذه التصريحات بعيدًا عن كونها زلات لسان تعكس التوجه العميق للإمارات.

وفي 22 فبراير قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير يفيد بأن الإمارات بدأت في شق الجبهة العربية المعارضة لخطة الرئيس الأمريكي ترامب، وذلك بعد أن بارك سفيرها في واشنطن  يوسف العتيبة، المقترح الأمريكي بشأن القضية الفلسطينية.

وأبرزت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن دولة الإمارات كسر الجبهة العربية الرافضة لخطة ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة إلى دول مجاورة، معتمدة أيضا علي ما أعلن يوسف العتيبة سفير أبوظبي في واشنطن بأنه لا يرى "بديلاً" عن الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي لطرد السكان الفلسطينيين من غزة.

 

اللعبة الثلاثية للإمارات

جان بيير فيلو، الأكاديمي والمؤرخ الفرنسي المعروف، أوضح بينما تطوّر شراكتها الإستراتيجية مع "إسرائيل"، تتظاهر الإمارات بالانضمام إلى الإجماع العربي بشأن قيام دولة فلسطينية، وتحرص على إظهار مساعداتها الإنسانية في قطاع غزة.

 

إجماع شكلي

وعن تصريحات العتيبة قال المؤرخ جان بيير فيلو "إذ إن معاهدة السلام بين "إسرائيل" والإمارات لا تتضمن أي إشارة إلى إقامة دولة فلسطينية، بل تتماشى تمامًا مع “رؤية السلام” التي طرحها دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يناير عام 2020. وقد جاءت هذه “الرؤية” كإنذار نهائي للطرف الفلسطيني، الذي رفض بالإجماع ضمّ أجزاء من الأراضي المحتلة في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وأضاف "على الأقل، كانت خطة ترامب في عام 2020 تتضمن إمكانية استعادة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة بعد نزع سلاح حركة “حماس”. لكن نتنياهو يرفض الآن بشكل قاطع هذا السيناريو، حتى لو أدى ذلك إلى تعزيز موقف “حماس”. أما الإمارات، فهي تسعى إلى تقويض نفوذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس في غزة من خلال دعم منافسه محمد دحلان، وهو من أبناء غزة ويقود تيارًا منشقًا داخل حركة “فتح”، يقول الأكاديمي والمؤرخ الفرنسي المعروف".

وتابع "فيلو" أن "الأعلام التي ترفعها عناصر “فتح” في مخيمات اللجوء داخل غزة غالبًا ما تعود لأنصار دحلان، الذي يعيش في الإمارات، لكنه لا يجرؤ على العودة إلى وطنه، رغم الدعم الكبير الذي يحظى به هناك.".

ومضى الأكاديمي والمؤرخ الفرنسي قائلاً إن التحركات الإماراتية، التي تتمتع بتمويل سخي، تؤدي فقط إلى زيادة حالة الفوضى داخل حركة “فتح”، ما يخدم مصلحة “حماس”، التي تسمح فقط لمساعدي دحلان بالعمل داخل غزة في مهام إغاثية بحتة.

وبسبب غياب شركاء فلسطينيين سياسيين، قررت الإمارات، في شهر مارس عام  2024، التعاون مع منظمة أمريكية غير حكومية، “وورلد سنترال كيتشن” (WCK)، لإرسال شحنات غذائية إلى غزة عبر البحر من قبرص، في وقت كانت فيه جميع المنظمات الإنسانية تدعو إلى إعادة فتح المعابر البرية، يشير جان بيير فيلو.

لكن هذا التعاون انهار بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت المنظمة في الأول من إبريل عام 2024، وأدت إلى مقتل ثلاثة متطوعين دوليين، وثلاثة من حراس الأمن البريطانيين، وسائق فلسطيني، يُتابع الأكاديمي الفرنسي، موضّحًا أن الإمارات أرسلت لاحقًا 2500 شاحنة مساعدات عبر مصر خلال عام واحد، وهو رقم يبدو كبيرًا لكنه لا يغطي سوى خمسة أيام من الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع. وقد حاول المسؤولون الإماراتيون الحد من جشع الوسطاء المصريين، لكن دون نجاح كبير، وفق المؤرخ الفرنسي.

السكان الذين يحصلون على هذه المساعدات يقدرون جودتها، سواء من حيث المواد الغذائية، أو الملابس، أو المعدات. كما أن الشيخ محمد بن زايد أشرف على نقل مئات المرضى والجرحى من غزة إلى أبو ظبي، وهو عدد كبير لكنه لا يقترب من الحاجات الفعلية، التي تتطلب إجلاء حوالي 12 ألف حالة للعلاج، يواصل جان بيير فيلو.

وظلت الإمارات صامتة منذ استئناف الحرب "الإسرائيلية" على غزة في 17 مارس الجاري، ورغم هذا النشاط “الإنساني”، معتبرًا أنه صمت يرقى إلى مستوى الموافقة، خاصة أن الشيخ طحنون بن زايد، مستشار رئيس الدولة وشقيقه، كان في زيارة إلى البيت الأبيض بعد يوم واحد فقط، حيث حضر مأدبة عشاء مع دونالد ترامب، دون أي ذكر رسمي للوضع الكارثي في غزة، على حد قول الأكاديمي والمؤرخ الفرنسي.

وكان العتيبة في قلب مفاوضات اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين "إسرائيل" والإمارات، الموقّع في سبتمبر عام 2020 في واشنطن ضمن “اتفاقيات أبراهام”. وخلال تلك الفترة، نسج علاقات وثيقة مع دونالد ترامب وفريقه، وهي علاقات أصبحت الآن ذات أهمية قصوى.