أرض جلعاد.. أحلام صهيونية في الأردن
الخميس 24 أبريل 2025 01:00 م
كتب: محمد أبو رمان
بقلم: محمد أبو رمان
نشر معهد السياسة والمجتمع (بالتعاون مع مركز التوثيق الملكي الهاشمي الأردني) أخيرًا، ضمن برنامج عدنان أبو عودة (المخصّص للدراسات الإسرائيلية والصهيونية)، ورقة علمية مهمّة للمؤرّخ الأردني البارز علي محافظة، بعنوان "الأطماع الصهيونية المبكرة في شرق الأردن: مشروع لورنس أوليفانت سنة 1879"، تتناول ما طرحه النائب والباحث والرحالة البريطاني لورنس أوليفانت في القرن التاسع عشر من مشروع لإقامة المستوطنة اليهودية في شرق الأردن، وتحديداً في منطقة البلقاء (من شمال نهر الزرقاء إلى وادي الموجب)، مع توسع المستوطنة عبر مراحل إلى أجزاء أخرى للشمال والجنوب لتشمل مناطق في عجلون والجولان والكرك.
صحيحٌ أنّ إسرائيل تجاوزت عملياً ما جاء في مشروع أوليفانت (الإنجيلي الأصولي؛ الذي كان يضغط بشدة على الدولة العثمانية من أجل إقامة المستوطنة اليهودية في البلقاء – شرق نهر الأردن)؛ فقد جاء لاحقاً وعد بلفور الذي منح اليهود "وطناً قومياً" في فلسطين"، ثم مؤتمر القاهرة 1921 (كما أشار مقالٌ سابق للكاتب) الذي أخرج شرق الأردن من وعد بلفور لتقام إمارة شرق الأردن حينها؛ لكن استعادة نشر مثل هذه الورقة والتأطير التاريخي والفكري الذي قدّمها محافظة تأتي لتأكيد جملة من الأمور المهمّة، يرتبط أولها بصعود اليمين الديني الإسرائيلي والصهيوني اليوم، الذي يعيد نشر خرائط تضع الأردن ضمن خريطة إسرائيل الكبرى، فضلاً عن عدم وجود ضمانات لما يستبطنه المشروع الصهيوني من مطامع وأهداف، كما نرى حالياً في سورية والجولان وفي لبنان، وهو ما ينطبق على الأجندة الصهيونية المبيّتة والقديمة تجاه الأردن، التي خرجت من وعد بلفور بالرغم من المحاولات المستميتة من الحركة الصهيونية لإبقائها ضمن نطاق الوعد، وأن تكون أرضاً لإسرائيل أو جزءاً من إسرائيل الكبرى.
الإشارة إلى هذه الوثيقة التاريخية بمثابة تذكير بأنّ نشر وزراء يمينيين من الحكومة الإسرائيلية حالياً خريطة لإسرائيل تتضمن الأردن ليس مسألة عابرة أو خارج السياق الأيديولوجي الصهيوني، بل في صميمه، وربما ضمن أجندته المستقبلية، وربما أيضاً هم يشعرون أنّ هذه المنطقة قد اقتُطعت منهم، أو ربما يرون أنّه يمكنهم استعادة بعض الأجزاء من شرق الأردن، وأن يقوموا بتهجير الفلسطينيين إلى المناطق الأخرى بذريعة أنّها جزء من أرض الميعاد أيضاً، وأنّ الدولة الفلسطينية قائمة بالفعل لكن شرق النهر.
يتعلّق ثاني هذه الأمور بالعلاقة التاريخية، التي يرصدها المؤلف، بين الحركة الصهيونية والحركات الأنجيلية الأصولية، التي كثّفت نشاطها ودعواتها إلى تحقيق "نبوءات التوراة" بإقامة الأرض أو الدولة الموعودة في فلسطين، التي تمهّد الطريق إلى عودة المسيح (وفق هذه المعتقدات)، والدلالة هنا على أهمية أخذ هذه العلاقة الدينية - التاريخية الرمزية بصورة كبيرة في إدراك أولاً طبيعة مشروع إسرائيل في فلسطين، وثانياً مصادر قوة إسرائيل بوصفها امتداداً لهذه القوى المؤثرة والنافدة في العديد من الدول الأوروبية، وثالثاً وجود مصدر ديني مشترك (العهد القديم) بين فكرة إقامة إسرائيل والعودة والأرض الموعودة وهذه المصادر الأيديولوجية من جهة، وبين السياسات الدولية، بخاصة القوى الكبرى مثل بريطانيا وألمانيا وأميركا، تجاه القضية الفلسطينية والأسباب الكامنة وراء الدعم الكبير واللامحدود لإسرائيل.
يفيد المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، وهو أحد أهم ناقدي إسرائيل، بأنّ الإنجيليين الأصوليين هم من أسّسوا الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر لتنفيذ الوعد المزعوم، وهو ما تشير إليه أيضاً وقائع عديدة يوردها محافظة في كتابه هذا، إذ يتحدّث عن دعوات أطلقها سياسيون بريطانيون وألمان عديدون، أيضاً في القرن التاسع عشر، لإقامة دولة لليهود في فلسطين، ويؤشر على حجم الضغوط الكبيرة التي مورست على الدولة العثمانية التي كانت في مرحلةٍ من الضعف والتفكّك من أجل القبول بتأمين رحلات وإقامة مستوطنات يهودية في فلسطين.
في الخلاصة؛ هذه المحاضرة بمثابة وثيقة مهمة للتذكير بالكتاب الذي نشره لورنس أوليفانت بعنوان "أرض جلعاد" في منتصف القرن التاسع عشر، ودعا فيه إلى إقامة مستوطنة يهودية في البلقاء، لكن دلالة ذلك تتجاوز الزمن إلى الوقت الحاضر بما تحمله من رسائل وإشارات.