بينما صدر بيان رسمي مشترك يتحدث عن "تقدم جيد"، تكشف مصادر عن بروز خلافات جوهرية، تعرقل التوافق الكامل بشأن الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.
 

خلافات خلف الكواليس
   استمرت بعثة صندوق النقد الدولي أسبوعين في القاهرة، أنهت خلالهما المراجعة الخامسة لبرنامج "تسهيل الصندوق الممدد".
ورغم ما وصفته رئيسة البعثة، إيفانا هولار، بـ"المحادثات المثمرة"، لم يُحدد الصندوق موعدًا دقيقًا لصرف الشريحة الخامسة، التي تبلغ 1.3 مليار دولار، تاركًا الأمور معلّقة حتى إشعار آخر، قد يمتد إلى يونيو المقبل.

وراء التصريحات الدبلوماسية، برزت خلافات جوهرية حول قضايا حساسة، في مقدمتها التزام مصر بوثيقة "سياسة ملكية الدولة" التي تعهدت فيها بتقليص دور الحكومة والمؤسسات السيادية في النشاط الاقتصادي، وإتاحة المجال للقطاع الخاص، عبر برنامج طروحات عامة لم يتحقق منه سوى القليل رغم إعلان خطط لطرح 11 شركة في بداية العام الجاري.
 

الجيش في قلب المفاوضات
   يشكل دور القوات المسلحة في الاقتصاد نقطة خلاف شائكة بين الطرفين، إذ يشدد الصندوق على ضرورة خضوع الشركات التابعة للجيش لسياسات الإفصاح والضرائب، والانخراط في بيئة تنافسية، بينما تماطل الحكومة في تنفيذ التخارج الكامل، بحجة ظروف السوق و"الاعتبارات الفنية"، كما قال مسؤولون في تصريحات غير رسمية.

وتخشى الحكومة من تداعيات اجتماعية وسياسية قد ترافق عمليات بيع الأصول العامة، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية، وسط وضع اقتصادي هش وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة، ما يدفعها إلى تبنّي نهج أكثر تدرجًا من ذلك الذي يطالب به الصندوق.
 

ملف الضرائب.. "تابو أمني"
   أحد الملفات التي شكلت ساحة جدل صريحة كان توسيع القاعدة الضريبية.
فرغم إشادة البعثة الدولية بتبسيط الإجراءات الضريبية والجمركية، فإنها طالبت الحكومة بمراجعة الإعفاءات الممنوحة لبعض الجهات، وعلى رأسها المؤسسات الأمنية والهيئات العامة، وهو ما اعتبرته مصادر حكومية "طلبًا بالغ الحساسية"، يمسّ أسس النظام الإداري القائم في مصر منذ عقود.

وبحسب خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس، فإن دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الضريبية، وإخضاع الشركات التابعة للجيش للضرائب، يواجه مقاومة بيروقراطية، وتعقيدات تتصل بـ"الدولة العميقة"، ما يجعل هذه الخطوة شديدة التعقيد سياسيًا وأمنيًا.
 

تحديات العملة الصعبة والضغط الزمني
   من ناحية أخرى، تواجه الحكومة ضغطًا ماليًا متصاعدًا، مع الحاجة إلى توفير نحو 3 مليارات دولار من العملة الصعبة بحلول يونيو المقبل، بالتزامن مع تراجع إيرادات قناة السويس، وتباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتصاعد الدين الخارجي.

وحذر وائل النحاس من أن الحكومة قد ترضخ في نهاية المطاف لكل شروط صندوق النقد، بسبب احتياجها العاجل للسيولة، في وقت تتراجع فيه شهية المستثمرين العالميين لشراء الأصول، ويفضّلون اللجوء إلى الذهب وسط اضطرابات الأسواق العالمية، بفعل الحرب التجارية التي فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد عودته القوية إلى المشهد الاقتصادي العالمي.
 

هل تنجح مصر في الموازنة؟
   وفي خضم هذه المشهد المعقد، تحاول الحكومة، الموازنة بين تنفيذ المطالب الدولية، والحفاظ على استقرار داخلي هش.
لكن الصندوق بات أقل صبرًا، بحسب تصريحات بعثته، التي أكدت أن "الاستقرار الكلي لم يعد كافيًا"، مطالبة بـ"إصلاحات أعمق" تضمن نموًا مستدامًا، وخلق وظائف، وزيادة مناعة الاقتصاد أمام الأزمات.

مع ذلك، يبقى مستقبل المراجعة الخامسة معلّقًا على قدرة الحكومة على تقديم ضمانات واضحة بتنفيذ الإصلاحات، أو على الأقل إقناع الصندوق بجدية النوايا، وهو ما ستكشفه الأسابيع المقبلة التي يُتوقع أن تشهد مفاوضات إلكترونية مكثفة.