في مايو 2025، أعلنت شركات المحمول المصرية الكبرى مثل أورانج، فودافون، واتصالات، وWE عن إطلاق خدمة الشريحة المدمجة eSIM لأول مرة في السوق المصري، بأسعار تبدأ من 270 جنيهًا مصريًا تقريبًا.

هذه الخطوة جاءت بعد اجتياز الشركات للاختبارات الفنية اللازمة، وبموافقة الهيئة الوطنية لتنظيم الاتصالات (NTRA)، في إطار جهود الدولة لمواكبة التطورات التقنية العالمية في مجال الاتصالات.

ورغم أن هذه الخدمة متوفرة في عدة دول منذ سنوات، منها الإمارات والسعودية منذ 2018، فإن مصر تأخرت في طرحها بشكل أثار تساؤلات عن مدى جاهزية البنية التحتية الرقمية؟ ومَن المستفيد الحقيقي من هذا التطور؟

 

ما هي خدمة eSIM وكيف تعمل؟

تُعد خدمة الشريحة المدمجة eSIM نقلة نوعية في عالم الاتصالات فهي شريحة إلكترونية مدمجة داخل الهواتف الذكية الحديثة، تتيح للمستخدمين تفعيل خدمات الاتصال والإنترنت عن طريق تحميل ملف رقمي (Profile) من مزود الخدمة مباشرةً، دون الحاجة إلى إدخال شريحة SIM فعلية.

يمكن للمستخدم تفعيل أكثر من خط على نفس الجهاز، حيث تسمح بعض الأجهزة بتفعيل حتى 10 خطوط، مع إمكانية استخدام خطين في نفس الوقت.

هذه التقنية توفر سهولة في التبديل بين الخطوط، وتلغي الحاجة لزيارة فروع شركات المحمول للحصول على شريحة جديدة، إذ يمكن تفعيل الخدمة عبر تطبيقات مثل "My Orange" أو عبر فروع الشركات.

 

انعكاسات الخدمة على الاقتصاد المصري

من الناحية الاقتصادية، تمثل خدمة eSIM خطوة مهمة نحو التحول الرقمي الذي تسعى مصر لتحقيقه ضمن رؤية 2030.

هذه التقنية تقلل من تكلفة الإنتاج والتوزيع لشركات المحمول، حيث تلغي الحاجة لإنتاج شرائح SIM البلاستيكية، وتخفض التكاليف اللوجستية، كما تتيح للشركات تقديم خدمات مرنة ومتنوعة تلبي احتياجات المستخدمين المختلفة، مما قد يعزز من تنافسية السوق ويزيد من إيرادات القطاع.

ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن الأسعار المعلنة التي تبدأ من 270 جنيهًا قد تبدو مرتفعة نسبيًا بالنسبة للمواطن العادي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 20% خلال 2024، مما يقلل من القدرة الشرائية للمستهلكين.

 

تأثير الخدمة على المواطن المصري

تقدم خدمة eSIM للمواطنين مزايا عدة، منها سهولة الحصول على خدمات الاتصالات دون الحاجة للذهاب إلى مراكز الخدمة، وتوفير الوقت والجهد، بالإضافة إلى المرونة في استخدام أكثر من خط على نفس الجهاز.

كما توفر الخدمة إمكانية استخدام باقات بيانات أكثر تناسبًا مع احتياجات المستخدم، مع خطط مرنة من حيث المدة والسعة.

لكن من جانب آخر، يرى بعض الخبراء أن اعتماد هذه التقنية قد يفرض تحديات على فئات معينة من المواطنين، خصوصًا كبار السن أو غير الملمين بالتكنولوجيا الرقمية، مما قد يزيد من فجوة الاستخدام الرقمي في المجتمع.

كما أن ارتفاع أسعار الباقات قد يحد من استفادة شريحة واسعة من المواطنين، ويزيد من الفجوة الرقمية بين الطبقات الاجتماعية.

 

تصريحات الاقتصاديين حول الخدمة

قال الدكتور أحمد عبد العزيز، خبير الاقتصاد الرقمي، إن إطلاق خدمة eSIM يمثل "خطوة متقدمة في تطوير البنية التحتية الرقمية لمصر، ويساعد في جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع الاتصالات، لكن يجب أن تراعي الشركات الأسعار لتكون في متناول الجميع".

وأضاف أن "التحدي الأكبر يكمن في توعية المواطنين بكيفية استخدام التقنية الجديدة وتوفير الدعم الفني الكافي لهم".

من جهته، أشار الدكتور سامي حسين، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، إلى أن "خدمة eSIM قد تساهم في تقليل التكاليف التشغيلية لشركات المحمول، لكن على الحكومة مراقبة الأسعار لضمان عدم استغلال المستهلكين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

وقد علّق الخبير الاقتصادي د. فخري الفقي سابقًا أن "أي تقدم رقمي يجب أن يُبنى على قاعدة اجتماعية قوية، لا أن يُركّب فوق اقتصاد هش ومجتمع يعاني."

 

من المستفيد؟ رفاهية تقنية لطبقة محدودة

تُطرح خدمة eSIM بأسعار تبدأ من 270 جنيهًا، وهو رقم يبدو بسيطًا نسبيًا، لكن في ظل تدني الأجور وتضخم الأسعار يصبح عبئًا إضافيًا.

ويشير تحليل السوق إلى أن الاستفادة من الخدمة تتطلب أجهزة حديثة تدعم التقنية، مثل إصدارات آيفون الأخيرة وسامسونج جالاكسي المتقدمة، والتي تبدأ أسعارها من 20,000 جنيه فما فوق.

وبالتالي، فإن الخدمة عمليًا تستهدف طبقة اجتماعية ضيقة قادرة على اقتناء هذه الأجهزة، بينما تُترك الأغلبية خارج نطاق الاستفادة.

تقول الناشطة الاقتصادية مي سامي: "التكنولوجيا ليست مشكلة، بل المشكلة أن الدولة تستعرضها دون سياسة شاملة تحقق العدالة الرقمية، وتسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء."

 

الخاتمة..

خدمة الشريحة المدمجة eSIM تمثل نقلة نوعية في سوق الاتصالات المصري، وتتماشى مع التطور التكنولوجي العالمي، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام المستخدمين والشركات على حد سواء، مع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في كيفية جعل هذه التقنية متاحة وميسرة لجميع فئات المجتمع، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي تفرض ضغوطًا على المواطنين.