أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية عن رفع أسعار الغاز الطبيعي للمنازل بنسبة تصل إلى 40%، اعتبارًا من فاتورة شهر يونيو 2025، في خطوة جديدة ضمن سلسلة الإجراءات التقشفية التي تتبعها حكومة عبدالفتاح السيسي.
وتُعد هذه الزيادة هي الأحدث في موجة ارتفاعات متلاحقة تطاول أسعار الوقود والطاقة، وسط أزمة اقتصادية خانقة وتراجع غير مسبوق في القدرة الشرائية للمواطنين.
وبحسب القرار، ارتفع سعر المتر المكعب للغاز في شريحة الاستهلاك الأولى (حتى 30 متراً) من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات، بزيادة تبلغ 33%، فيما ارتفعت الشريحة الثانية (من 31 إلى 60 متراً) من 4 إلى 5 جنيهات، بنسبة 25%، ووصلت الزيادة في الشريحة الثالثة (أكثر من 60 متراً) إلى 40%، حيث ارتفع السعر من 5 إلى 7 جنيهات للمتر المكعب.
صيف بلا غاز محلي.. والحكومة تبحث عن البدائل
في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء الماضي، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن صيف 2025 سيشهد أدنى معدل لإنتاج الغاز الطبيعي محليًا، مرجعًا ذلك إلى انخفاض الإنتاج في الحقول المصرية.
وأوضح أن الحكومة تعمل على استقدام سفن تغويز لسد العجز وتلبية احتياجات السوق، بهدف تفادي تكرار سيناريو تخفيف الأحمال الكهربائية كما حدث في صيف 2023 و2024.
لكن الوعود الحكومية بزيادة الإنتاج عبر الاستكشافات الجديدة، والتي من المفترض أن تؤتي ثمارها بدءًا من سبتمبر المقبل، لا تبدد مخاوف المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة زيادات متواصلة في أسعار الخدمات الأساسية، في ظل تدهور الأجور وغياب أي مظلة حماية اجتماعية فعالة.
قروض صندوق النقد... والغلاء يدفع الثمن
منذ توقيع الاتفاق الأول مع صندوق النقد الدولي في 2016، اقترضت مصر أكثر من 28 مليار دولار، تعهدت مقابلها بتنفيذ "برنامج إصلاح اقتصادي" يتضمن رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه، وتحرير سعر الصرف، وتوسيع قاعدة الضرائب، وكلها إجراءات أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات الفقر وتآكل الطبقة الوسطى.
ولا تأتي زيادة أسعار الغاز المنزلي بمعزل عن السياق الأوسع، ففي 11 أبريل الماضي، رفعت الحكومة أسعار السولار والبنزين بأنواعه الثلاثة بنسب تقترب من 15%، وكذلك ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي بنسبة 33%، من 150 إلى 200 جنيه، وللاستخدام التجاري من 300 إلى 400 جنيه.
كما شهدت أسعار المازوت والغاز الصب المستخدم في الصناعات قفزات حادة تجاوزت 30%.
وفي الموازنة العامة للعام المالي الجديد 2025-2026، خفضت الحكومة مخصصات دعم الوقود بنسبة 51%، من 154 مليار جنيه إلى 75 مليارًا فقط، وهو ما يعني مزيدًا من الأعباء على المواطن الذي أصبح يتحمل تقريبًا الكلفة الكاملة للخدمات الأساسية.
المواطن في مرمى التقشف.. المرتب مش مكفي أكل
يتساءل المواطن اليوم: كيف يمكن للأسرة أن تتعايش مع هذا الكم من الزيادات المتلاحقة؟
ففي ظل رواتب لا تواكب معدلات التضخم، أصبح من الصعب توفير احتياجات الغذاء الأساسية، ناهيك عن شراء ملابس أو أجهزة منزلية أو حتى التفكير في أي نوع من الترفيه، الشباب بدورهم يواجهون انسدادًا شبه تام في آفاق الزواج وتكوين أسر، بسبب ارتفاع أسعار الشقق والمفروشات والذهب.
"المرتب مش مكفي أكل"، بات هذا الشكوى الجماعية المتكررة، تتردد على ألسنة المصريين في الأسواق، والمواصلات، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بالغضب والسخرية من الإجراءات الحكومية المتتالية التي لا تراعي الظروف المعيشية القاسية للأغلبية.
أزمة ثقة متفاقمة.. والقطاع الخاص في تراجع
إلى جانب الأعباء المباشرة على الأفراد، فإن السياسات الاقتصادية الحالية أضرت أيضًا ببيئة الأعمال، فقد تزايدت حالات إفلاس الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتراجع دور القطاع الخاص كمولّد رئيسي لفرص العمل، مع تفاقم هيمنة الدولة والجيش على قطاعات الاقتصاد، وعزوف المستثمرين المحليين والأجانب بسبب عدم وضوح السياسات المالية والنقدية.