شهدت مصر خلال الأيام الأخيرة جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي حول جودة عسل النحل المتوفر في الأسواق، بعد انتشار فيديو زعم أن معظم أنواع العسل في السوق المصرية مغشوشة، وأن نسبة السكروز فيها تتجاوز 5%، وهو ما اعتبره ناشرو الفيديو دليلاً على الغش.

لطالما اعتُبر إنتاج العسل في مصر من القطاعات الزراعية الواعدة، حيث تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن مصر كانت تحتل المرتبة الرابعة عالميًا في تصدير طرود النحل عام 2013، قبيل الانقلاب العسكري، وكان الإنتاج المحلي من العسل الطبيعي يبلغ نحو 10 آلاف طن سنويًا، يتم استهلاك 80% منه محليًا، فيما يُصدّر الباقي إلى دول الخليج وأوروبا.

لكن منذ 2014، بدأ هذا القطاع يعاني من أزمات متتالية، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض الدعم الحكومي، وتراجع عدد مربي النحل بنسبة تُقدّر بـ40% خلال العقد الأخير، بحسب تصريحات لرئيس اتحاد النحالين العرب الدكتور حمدي عبد القادر في مارس 2024. أضف إلى ذلك انهيار قيمة الجنيه وارتفاع أسعار السكر والأعلاف، مما دفع الكثيرين إلى الغش لتعويض الخسائر.

 

إنتاج عسل النحل في مصر

تعتبر مصر من الدول التي تنتج عسل النحل من مصادر نباتية متنوعة، مثل أشجار الأكاسيا، والزهور البرية، والنباتات الحقلية، مما يمنح العسل المصري تنوعاً في الطعم والجودة، ويتراوح إنتاج مصر السنوي من العسل بين 15 إلى 20 ألف طن تقريباً، ويُصدر جزء منه إلى الخارج.

يعتمد الإنتاج على تربية النحل في محافظات مثل المنيا، وأسيوط، والفيوم، حيث تتوفر الظروف المناخية الملائمة لتربية النحل.

يتميز العسل المصري الطبيعي بنكهته الفريدة وخصائصه العلاجية، ويخضع لرقابة صارمة من الهيئة القومية لسلامة الغذاء التي تضمن مطابقته للمواصفات القياسية المصرية رقم (355-1/2005) ومواصفة الدستور الغذائي كودكس (CXS 12-1981/2022)).

تتراوح أسعار العسل الطبيعي في السوق المصرية بين 150 إلى 400 جنيه للكيلو، حسب النوع والجودة، ورغم الجدل الأخير، تؤكد الجهات الرسمية أن العسل المنتج محلياً والمستورد يخضع لفحوصات دورية لضمان سلامته وجودته.

 

المواصفات القياسية ونسبة السكروز في العسل

تناولت الجهات الرسمية الجدل حول نسبة السكروز في العسل، وأكدت أن المعلومة المتداولة بأن نسبة السكروز يجب ألا تتجاوز 5% هي خاطئة ومضللة، إذ تسمح المواصفات المصرية والدولية بأن تتراوح نسبة السكروز في العسل الطبيعي بين 5% و15% حسب نوع العسل ومصدره النباتي.

كما أوضحت هيئة سلامة الغذاء أن الكشف عن الغش يتطلب تحاليل متقدمة مثل تحليل نظائر الكربون (C13) وتحليل نوع ونسب السكريات المضافة، ولا يمكن الاعتماد على تحاليل أجريت خارج المختبرات المتخصصة أو على عينات غير موثقة.

وحذّر الدكتور حسين منصور، رئيس هيئة سلامة الغذاء سابقًا، من خطورة "عدم إخضاع منتجات النحل لاختبارات النقاوة"، مؤكدًا أن "هناك مواد سامة تدخل في تركيب بعض أنواع العسل التجاري المنتشرة حاليًا"

 

العسل المغشوش.. انتشار واسع وتقصير رقابي

التحقيقات التي أجرتها مؤخرًا وسائل إعلام مستقلة، مثل موقع "مدى مصر"، أظهرت أن نحو 60% من العسل المتداول في الأسواق المحلية لا يحتوي على أي نسبة من العسل الطبيعي، وإنما يُصنع من خليط سكر الجلوكوز والنكهات الصناعية، وتُباع هذه المنتجات بأسعار منخفضة، تتراوح بين 35 إلى 60 جنيهًا للكيلوغرام، مقارنة بالعسل الطبيعي الذي قد يصل إلى 250 جنيهًا أو أكثر، بحسب الجودة والمصدر.

ورغم خطورة الأمر على الصحة العامة، فإن الجهات الرقابية لم تتخذ إجراءات فعالة، ففي الوقت الذي تجاهلت فيه وزارة التموين تقارير التحاليل المخبرية التي تؤكد التلاعب، اكتفت الهيئة القومية لسلامة الغذاء بتصريح مقتضب نُشر في أبريل 2025 نفت فيه وجود "دلالات واضحة" على انتشار العسل المغشوش، ما أثار موجة من السخرية والغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، لينتشر بعدها على منصات التواصل هاشتاغ #العسل_المغشوش مرفقًا بتعليقات تسخر من خطابات الحكومة حول "الجمهورية الجديدة" و"النهوض الاقتصادي".

وقد دعت منظمة "مراقبة الغذاء في الشرق الأوسط" ومقرها بيروت إلى "تحقيق دولي مستقل في سلامة المنتجات الغذائية المصرية"، فيما وصف الصحفي البريطاني باتريك وينتور في الغارديان الوضع في مصر بأنه "كارثة صحية واقتصادية ذات أبعاد سياسية بحتة، سببها الأول الاستبداد والفساد".

 

تصريحات وتكذيب

في محاولة للرد على الانتقادات، خرج المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء بتصريح في 15 مايو 2025 يقول فيه: "نثق بجودة المنتجات المصرية، والعسل الموجود بالأسواق يخضع للرقابة"، وهو ما وصفه خبراء ومستهلكون بأنه "محاولة لذر الرماد في العيون".

الصحفي الاقتصادي مصطفى عبد السلام علّق قائلاً: "منظومة الغذاء في مصر انهارت كما انهارت العملة، ولم تعد الدولة تملك أدوات الرقابة أو الشفافية".

وفي تقرير أصدره البنك الدولي في ديسمبر 2023، حذّر من أن أكثر من 60% من المصريين أصبحوا عرضة للفقر الغذائي بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول، وعليه، لا غرابة في أن المستهلك العادي يبحث عن الأرخص، ولو على حساب الجودة أو الصحة.