في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمصر، تتجه أنظار النظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي نحو أموال الأوقاف، التي تعد من أكبر الثروات الوطنية، كمصدر لتمويل مشروعاته الكبرى، في وقت تعاني فيه الدولة من عجز مالي كبير.
اتهامات متكررة وجهها نواب البرلمان المصري لوزارة أوقاف الانقلاب، تتعلق بسرقة ونهب أموال الأوقاف، وتردي أوضاع الأئمة والمساجد، ما يعكس أزمة عميقة في إدارة هذه الموارد الحيوية.
حجم الأوقاف المصرية الداخلية والخارجية
تمتلك وزارة الأوقاف المصرية أصولًا ضخمة تقدر قيمتها بتريليون و37 مليار جنيه مصري، موزعة على أكثر من 500 ألف فدان من الأراضي الزراعية والسكنية والتجارية، إضافة إلى 120 ألف وحدة سكنية وإدارية وتجارية، و22 شركة وبنك كمساهمات.
هذه الأوقاف تشمل أراضي زراعية تمتد في محافظات مثل الدقهلية ودمياط وكفر الشيخ، كما توجد أوقاف في الخارج في دول مثل اليونان وتركيا والسعودية، لكن الحكومة لم تستطع الاستفادة الكاملة منها، حيث تعرضت العديد من هذه الأملاك للنهب والضياع، ولم يتم تعويض مصر عنها حتى الآن، هذا الحجم الهائل من الأوقاف يشكل ثروة قومية يمكن أن تساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني لو تم استغلالها بشكل صحيح.
القوانين المفصلة على مقاس السلطة
شرعت حكومات الانقلاب العسكري المصري المتعاقبة على تعديل قوانين الأوقاف بما يتيح لها السيطرة المطلقة عليها، ففي عام 2020، أصدر البرلمان الموالي للنظام تعديلات على قانون "الوقف الخيري" تسمح لهيئة الأوقاف بالتصرف الكامل في الأملاك الوقفية وبيعها وتأجيرها والاستثمار فيها، دون الرجوع إلى أصحاب الشأن أو حتى إلى الجهات القضائية، وهو ما اعتبره حقوقيون تعديًا مباشرًا على حرمة الأوقاف وتغييرًا جوهريًا في مفهوم الوقف ذاته، الذي كان يمثل على مر التاريخ الإسلامي ضمانًا لحماية المال العام من سطوة الحكام.
الأوقاف الخارجية.. سطو ممتد عبر الحدود
لم تتوقف أطماع السيسي عند الأوقاف الداخلية، بل امتدت لتشمل الأوقاف المصرية بالخارج، خاصة في المملكة العربية السعودية واليونان، ففي يوليو 2021، أعلنت وزارة الأوقاف نيتها استعادة السيطرة على أوقاف مصرية في الخارج تصل قيمتها إلى مليارات الجنيهات، ومنها أوقاف تاريخية في مكة والمدينة كانت تدر عائدات ضخمة منذ عقود، وبدلًا من توجيه هذه العوائد إلى دعم الفقراء أو تمويل مشاريع تخدم الأمة، تشير تسريبات وتقارير إلى أن النظام يسعى لدمجها في حسابات الدولة، لتغطية العجز وسداد فوائد القروض الخارجية التي تجاوزت 165 مليار دولار وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي حتى منتصف 2024.
وأما في القدس، حيث يوجد أكثر من 300 وقف مصري تعود لعصور المماليك والعثمانيين، فإن مصر لم تتخذ أي خطوة لحمايتها من التهويد أو المصادرة على يد الاحتلال، ويشير مراقبون إلى أن التخلي المصري عن الأوقاف في القدس هو جزء من سياسة "التهدئة مقابل البقاء"، التي يتبعها السيسي للحفاظ على رضا الحليف الأمريكي والصهيوني.
عائدات الأوقاف
تدر أموال الأوقاف عائدات مالية ضخمة تقدر بمليارات الجنيهات سنويًا، إلا أن هناك غموضًا كبيرًا حول كيفية إدارة هذه الأموال واستخدامها.
القانون المصري ينظم هيئة الأوقاف ويحدد كيفية استثمار أصول الوقف، حيث يُعتبر الوقف الخيري حبس العين وعدم تمليكها، مع التصدق بالمنفعة على مصرف مباح، مثل العقارات والمزارع التي تدر دخلاً مستمرًا.
رغم ذلك، هناك انتقادات حادة لوزارة الأوقاف بسبب سوء الإدارة والفساد، حيث يتهم نواب البرلمان الوزارة بالسرقة والنهب، وأن الأموال لا تصل إلى مستحقيها من الفقراء والأئمة، بل تُستخدم في تمويل مشاريع الدولة الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، مما يثير جدلاً واسعًا حول شرعية هذه التصرفات.
سرقة المساجد الأثرية
لم تقتصر سرقة الأوقاف على الأموال فقط، بل تعدتها إلى المساجد الأثرية التي تعرضت لعمليات سرقة متكررة منذ عام 2013، حيث تم نهب محتويات ثمينة مثل الحشوات الخشبية المطعمة والأطباق النجمية الأثرية من مساجد تاريخية.
استغلال أموال الأوقاف لصالح النظام ورفض الشعب
في السنوات الأخيرة، حاول السيسي استغلال أموال الأوقاف لتمويل مشاريعه القومية، حيث وجه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بحصر ممتلكات الأوقاف لطرحها للبيع للقطاع الخاص، في خطوة أثارت غضبًا واسعًا بين العلماء والنشطاء الذين اعتبروها استيلاءً على أموال الأيتام والوقف الخيري.
حجم أصول الأوقاف التي تقدر بتريليون جنيهات، يجعلها هدفًا مغريًا للنظام الذي يعاني من أزمات مالية خانقة، هذا الاستغلال أدى إلى تدهور أوضاع الأئمة والمساجد، وفتح الباب أمام انتقادات حادة للنظام الذي يتهمه الشعب بسرقة أموال الوقف وبيع ممتلكاته، مما يهدد استقرار المجتمع ويزيد من الاحتقان السياسي.
هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه قطاع الأوقاف في مصر تحت حكم السيسي، حيث تتداخل قضايا الفساد المالي، سرقة التراث، في سياق يعكس أزمة عميقة في إدارة الدولة ومؤسساتها، ويؤكد الحاجة الملحة لضمان حماية أموال الأوقاف واستثمارها في خدمة الشعب والقضية الوطنية.