بعد نداءات واستغاثات دامت لسنوات، لم تفلح جهود أسرة الفنان التشكيلي نبيل درويش وكبار المثقفين والمهتمين بالتراث في إثناء الحكومة عن قرارها بهدم الفنان الراحل من أجل توسعة الطريق الدائري، حيث أكدت الأستاذة بالمعهد العالي للكونسرفتوار الدكتورة سارة درويش لـ أن قرار وزارة الثقافة بنقل متحف والدها الفنان نبيل درويش إلى مبنى الزجاج ضمن مشروع تلال الفسطاط "أفضل الحلول المتاحة للحفاظ على تراث والدها.

يأتي ذلك بعد سنوات من صدور قرار بإزالة متحف درويش، الذي يقع في 177 طريق سقارة بالمريوطية في الجيزة، لاستكمال مشروع توسعة الطريق الدائري من محور المريوطية حتى صحراء الأهرام، وعدم توصل أبناء الفنان لأي حلول تحول دون الهدم.

وأكدت سارة درويش "عملنا كل اللي ممكن يتعمل عشان المتحف ما يتهدمش لكن مفيش فايدة. لم تكن مسألة سهلة إننا نقف أمام قرار الإزالة طول السنين اللي فاتت، خلاص دلوقتي احنا أمام قرار نهائي لا رجعة فيه".

"رغم أملنا كأسرة نبيل درويش أن المتحف القديم يظل قائم ولا يُهدم لأنه مكانه الأصلي، بس الموقع الجديد في تلال الفسطاط بصراحة حلو، يوجد أمام مركز الخزف وواخد موقع استراتيجي جميل، يمكن ده برد النار اللي عندنا شوية"، قالت ابنة نبيل درويش.

وأوضحت أنه على مدار الأشهر الماضية كانت الاجتماعات مستمرة بين أسرة الفنان الراحل والحكومة، متمثلة في مجلس الوزراء ووزارتي الثقافة والنقل وصندوق التنمية الحضارية "زارنا الفريق كامل الوزير (نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل) نوفمبر الماضي، ويبدو إن الصورة لم تكن واضحة له عن أهمية المتحف وقيمة المقتنيات الفنية، وبدا متفهمًا مطالبنا، بل اقترح علينا اختيار قطعة الأرض والمكان الذي نفضله، وتنفيذ نفس تصميم المتحف القديم، لكن رفض كل محاولات البقاء على المتحف في سقارة".

وأشارت إلى أن المكان الجديد في الفسطاط تحت التجهيز "لا نعرف موعد الهدم ونقل المقتنيات للفسطاط، كانت هناك أنباء أن الهدم سيكون قبل موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، بدأنا في تفريغ الدور العلوي الأول من المتحف من المقتنيات ونقلها للبيت حتى موعد النقل". ومن المقرر افتتاح المتحف المصري الكبير في 3 يوليو المقبل.

وبدأت هيئةُ الطُرق والكَباري التابعةُ لوزارة النقل سنة 2022 إصدارَ قراراتٍ متتابعةٍ لهدمِ المتحف وعددٍ من المنشآت المجاورة لتوسعة طريق المريوطية الدائريّ. بدا لأسرة الفنان الراحل أن التمسّك بالمتحف ومحاولةَ الدفاع عنه دفاعٌ عن حياتِهم وسيرةِ والدها الراحل وذكراه. 

فلجأت الأسرةُ إلى الخزّافين والفنّانين ومحبِّي إبداع الفنّان الراحل من طلّاب الفنون الذين تعلّموا على يديه، إلى جانب بعض الجهات الحكومية والأهلية كالنقابات والمؤسّسات المَعنيّة بالثقافة والفنون، وقليلٍ من أعضاء مجلس النوّاب المقدِّرين قيمةَ الفنّان الراحل، في محاولةٍ للوقوف في وجه حفّارات الهدم ومَعاولِه.

بدأ أصدقاءُ الفنّانِ الراحلِ نبيل درويش وتلاميذُه ومحبّوه حملةً على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم "أنقِذوا متحفَ نبيل درويش". 

وأقامت جهاتٌ ثقافيةٌ مصريةٌ بالتعاون مع بعض روّاد الفنّ التشكيليّ عدداً من الندوات عن أهمّية الفنّان الراحل ومنجَزِه العلميّ والإبداعيّ الذي يوثّقه متحفُه مؤكّدين رفضَ الحركة الفنية والثقافية المصرية هدمَ المتحف. 

وبدأ المتحف يلفت انتباه الصحفيينالذين بدأوا يتساءلون عنتاريخ كلّ قطعةٍ في المتحف، ليصبحوا في حيرةٍ "إزاي هيهدموا المتحف؟ .

خاضت سارة درويش رحلةً طويلةً على مدار 3 أعوام في أروقة المباني الحكومية والإدارات المختلفة ومجلس النوّاب ومجلس الوزراء ووزارة الثقافة لإقناع المسؤولين بالحفاظ على المتحف، لكن دون جدوى.

وكان نبيل درويش قد افتتح متحفَ فنونِ الخزفِ في سنة 1981، وأتاحا زيارتَه والتجوّل بين معروضاته مجّاناً لطلاب الفنون ومحبّيها. 

اشتهر المتحف عالمياً وظلَّ متحفاً فريداً في مصر والشرق الأوسط، ثمّ أَدرَجَته محافظةُ الجيزة على قائمة المزارات السياحية المهمّة إلى جانب الأهرامِ ومعبدِ الشمس ومراكبِها ومدافنِ العمّالِ في سقّارة. 

وقد استمرّ نبيل في الإنتاج ومساعدة الفنانين الآخَرين على إنتاج قطعٍ فنّيةٍ ومنحوتاتٍ من الخزف في ورشته التي أقامها جوارَ المتحف، لتصبح حياتُه كلُّها ضمن المحيط الصغير الذي يضمّ بيتَه وأُسرتَه ومتحفَه وورشتَه. 

الجدير بالذكر أن متحف الفنان التشكيلي الراحل نبيل درويش يقع على مساحة ألف متر مربع، كما يضم الموقع منزل الفنان الراحل الذي تعيش فيه أسرته – حتى الآن – وتضم المنطقة المحيطة العديد من المتاحف التي تعود لفنانين آخرين ومنهم متحف آدم حنين، ومتحف زكريا الخناني للزجاج، ومركز رمسيس ويصا واصف للسجاد اليدوي، ويضم أكثر من 3000 قطعة خزف، تنوعت بين مقتنيات الفنان الراحل وقطع خزفية فريدة ومكتبته وأدواته الفنية التي عمل بها.