شن إعلاميون محسوبون على النظام المصري حملة شعواء على "قافلة الصمود" التي نظمتها منظمات عربية ودولية تضامنًا مع سكان غزة المحاصرين، متهمين القائمين عليها بـ"الخيانة" و"العمالة لحماس"، في مشهد يعكس ارتباكًا رسميًا في القاهرة تجاه القضية الفلسطينية، فالقافلة التي انطلقت في بداية يونيو 2025 من العاصمة الأردنية عمان باتجاه رفح، لاقت عراقيل على المعبر المصري، بينما تزامن ذلك مع حملة تحريضية من الإعلام المصري الرسمي والخاص.

 

السيسي والقضية الفلسطينية.. خطاب مزدوج منذ 2014

منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر عام 2014 عقب الانقلاب على محمد مرسي، اتسم الخطاب الرسمي بشأن فلسطين بازدواجية واضحة، ففي حين يعلن النظام دعم حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، فإنه على الأرض يعزز التعاون الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي ويشدد الحصار على غزة عبر معبر رفح.

وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش في أكتوبر 2023، فإن السلطات المصرية فتحت معبر رفح فقط 121 يومًا من أصل 365 خلال عام 2022، مقارنة بـ 279 يومًا في عام 2012 في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي.

السيسي قال خلال كلمته في قمة المناخ COP27 بشرم الشيخ في نوفمبر 2022 "ندعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، لكنه في الواقع لم يصدر أي خطوة سياسية أو ضغط دبلوماسي واضح ضد التوسع الاستيطاني أو الجرائم الإسرائيلية في غزة، ما جعل العديد من المراقبين يصفون موقفه بـ"الذرائعي والانتهازي".

 

إغلاق معبر رفح و"قافلة الصمود" أين تقف مصر؟

"قافلة الصمود" التي ضمت نشطاء من دول عربية وأوروبية، من بينهم نواب سابقون وشخصيات أكاديمية وطبية، توقفت لعدة أيام على الحدود المصرية، حيث منعت السلطات المصرية دخول المشاركين، هذه الخطوة أثارت انتقادات واسعة، خاصة أن الحملة كانت إنسانية الطابع وتحمل مساعدات طبية وغذائية للقطاع المحاصر.

وفق بيان صادر عن منظمي القافلة في 4 يونيو 2025، فإن السلطات المصرية لم تقدم أي توضيحات رسمية، رغم المحاولات للتواصل مع السفارة المصرية في عمّان، هذا الموقف أثار تساؤلات عن نوايا القاهرة تجاه غزة، خصوصًا في ظل تصاعد العمليات الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 35 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، بحسب وزارة الصحة في غزة.

 

إعلاميو النظام.. اتهامات وتحريض

قادت شخصيات إعلامية بارزة محسوبة على نظام السيسي حملة هجوم على القافلة عبر برامج تلفزيونية مسائية أحمد موسى، مقدم برنامج "على مسؤوليتي" على قناة صدى البلد، وصف المشاركين في القافلة بـ"أدوات لحماس وتنظيم الإخوان"، مضيفًا في 3 يونيو: "لا نسمح بأن تستغل الأراضي المصرية لنقل المؤامرات".

أما عمرو أديب، في برنامجه "الحكاية" على قناة MBC مصر، فقد قال: "المساعدات يجب أن تمر عبر الدولة، وليس عبر نشطاء مشبوهين".

هذا التحريض الإعلامي أعاد إلى الأذهان نمط الخطاب الذي يستخدمه النظام المصري ضد معارضيه، حيث يُصوَّر التضامن الإنساني على أنه تهديد للأمن القومي.

في المقابل، علّق الصحفي المستقل حسام بهجت عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "عندما يتحول إرسال طعام ودواء إلى تهمة بالخيانة، تدرك أن النظام فقد كل مبرراته الأخلاقية".

 

دوافع مصر الحقيقية.. وساطة أم مشاركة في الحصار؟

يرى محللون أن موقف مصر من غزة تحكمه مصالحها الأمنية وتحالفاتها الإقليمية، خاصة مع إسرائيل والإمارات، الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمركز كارنيغي، مايكل وحيد حنا، قال في مقابلة مع قناة الجزيرة في 5 يونيو: "مصر لا تزال ترى في حماس تهديدًا أمنيًا داخليًا، وتخشى من امتداد تأثيراتها على سيناء"، كما أشار إلى أن مصر تستفيد اقتصاديًا من مرور بعض البضائع عبر الأنفاق التجارية التي تسيطر عليها جهات مقربة من الجيش، مما يضعف دافعها لتسهيل المساعدات الإنسانية المباشرة.

من جهة أخرى، تلعب مصر دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، وهو دور عززته واشنطن وتل أبيب، لكن هذا الدور غالبًا ما يُستخدم لتجميل صورة النظام خارجيًا دون تغيير حقيقي في سياساته على الأرض.

 

الغضب الشعبي والمجتمعي

الموقف المصري المتناقض بدأ يثير غضبًا شعبيًا متصاعدًا، على وسائل التواصل الاجتماعي، تصدرت وسوم مثل #افتحوا_معبر_رفح و #السيسي_يخنق_غزة قائمة الترند في مصر وعدة دول عربية.

كما أصدر حزب "العيش والحرية" بيانًا في 6 يونيو 2025 وصف فيه منع دخول القافلة بأنه "عار وطني"، داعيًا إلى "إعادة تعريف الأمن القومي ليشمل التضامن مع الشعوب المضطهدة".

حتى داخل المؤسسة الأزهرية ظهرت أصوات ناقدة، إذ قال عضو هيئة كبار العلماء والمحسوب على نظام الانقلاب العسكري المصري الدكتور أحمد كريمة في تصريح إذاعي: "الشرع لا يجيز منع المساعدات عن الجائعين والمرضى"، في إشارة ضمنية إلى غزة، لكن الإعلام الرسمي تجاهل هذه التصريحات، في سياق إحكام الرقابة على الرأي العام.

نستنتج من ذلك أن الهجوم على "قافلة الصمود" ليس حادثة معزولة، بل هو مؤشر على سياسة متواصلة من التناقض والتلاعب في مواقف النظام المصري من القضية الفلسطينية، ففي حين تُعلن القاهرة دعمها لغزة، تساهم فعليًا في خنقها سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا، وهو ما يضعف موقفها إقليميًا ويثير سخطًا داخليًا متصاعدًا.