في سابقة تُثير كثيرًا من التساؤلات وتفتح باب الاستنكار واسعًا، حددت محكمة استئناف القاهرة، أمس الأربعاء، جلسة 12 يوليو المقبل، لبدء محاكمة 300 معتقل، في واحدة من أكبر القضايا الجماعية المعروضة أمام دوائر الإرهاب، رغم مرور 6 سنوات كاملة من التحقيقات دون تقديم أي أدلة مادية موثوقة.

القضية، المقيدة برقم 810 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، أُحيلت مؤخرًا إلى المحاكمة الجنائية بعد أن ظلت معلّقة طيلة 6 سنوات، في تحقيقات ماراثونية أجرتها نيابة أمن الدولة، شملت مئات الأشخاص، بينهم الداعية المعروف سمير مصطفى.

المفارقة الكبرى؟ أن التهم الموجهة – وعلى رأسها "الانضمام لجماعة إرهابية" – ما تزال قائمة ضد متهمين لم يُقدَّم بحقهم أي دليل مادي ملموس حتى اللحظة، بحسب مصادر مطّلعة، في مشهد يعيد إلى الأذهان تساؤلات الحقوقيين حول جدية العدالة وشروط المحاكمة العادلة في قضايا الإرهاب.

وما يزيد من حدة الاستنكار أن عددًا كبيرًا من المتهمين ما زالوا رهن الحبس الاحتياطي منذ سنوات، فيما تم الإفراج عن البعض الآخر على ذمة التحقيق، لكن دون إسقاط الاتهامات، مما يرسّخ منطق "الاتهام المؤبّد دون محاكمة عادلة أو تبرئة".

فهل تتحول قاعة المحكمة في يوليو إلى ساحة لإنصاف تأخّر، أم أننا أمام فصل جديد من مسلسل المحاكمات الاستثنائية التي تغيب عنها ضمانات العدالة؟

 

لا أحراز ولا أحداث

وتحدث أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين، كاشفًا عن أن النيابة لم تقدم خلال السنوات الست الماضية أي دليل مادي ملموس يدين المتهمين في الوقائع المنسوبة إليهم، وأن ملف القضية بأكمله يستند فقط إلى تحريات أمنية مكتبية صادرة عن جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقًا)، دون أن تدعمها أي مستندات، أو أدلة فنية، أو شهود رؤية، أو أحراز تثبت صحة الاتهامات، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وتنوعت الاتهامات في القضية، بحسب الدفاع، بين الانضمام إلى جماعة إرهابية، والادعاء بانتماء بعض المتهمين إلى تنظيم داعش، فضلًا عن اتهامات بالتخطيط لارتكاب أعمال عدائية داخل مصر، وتلقي تكليفات عبر تطبيقات مشفرة يصعب على الأجهزة الأمنية رصدها، وكذلك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لإساءة استخدام التكنولوجيا ونشر أخبار كاذبة، بالإضافة إلى ترويج أفكار تكفيرية والتحريض على الدولة ومؤسساتها.

ويقول محامي أحد المتهمين إن "غالبية هذه الاتهامات تم تركيبها بشكل نمطي، وهي اتهامات فضفاضة تُستخدم في معظم القضايا ذات الطابع السياسي أو الديني، دون تمييز أو تحقق ميداني. التحريات وحدها لا يمكن أن تقود لمحاكمة عادلة، وخاصة عندما تُبنى على الاستنتاجات بدلًا من الأدلة".

ومن أبرز المتهمين في القضية الداعية الإسلامي المعروف سمير مصطفى، الذي فوجئ بحسب محاميه بتوجيه اتهامات له على خلفية ذكر اسمه فقط في أقوال أحد المتهمين من الشباب، الذين تم التحقيق معهم بتهمة الانتماء لتنظيم داعش. وبحسب عضو هيئة الدفاع، فإن الشاب المعتقل سُئل عن المحاضرات الدينية التي كان يتابعها على الإنترنت، فذكر من بينها محاضرات الشيخ سمير مصطفى، دون أن يشير إلى أي تواصل مباشر أو انتماء مشترك، أو حتى إشارات إلى تحريض أو تطرف في مضمون تلك المحاضرات.

ومن المنتظر أن تُعقد أولى جلسات المحاكمة أمام محكمة الإرهاب، ما يعني أن أحكامها ستكون نهائية غير قابلة للطعن، وفقًا لقوانين حكومة السيسي، وهو ما يثير مخاوف واسعة في الأوساط الحقوقية من صدور أحكام قاسية بناءً على تحريات أمنية فقط.