في وقت تتصاعد فيه تساؤلات المصريين حول المكاسب والخسائر الأمنية منذ ثورة 2011 وحتى اليوم، يظل ملف الأمن واحدًا من أكثر القضايا جدلاً عند مقارنة فترتي الرئيس الراحل محمد مرسي (2012-2013) والجنرال قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي (منذ 2014). وبينما يروّج النظام الحالي لفكرة “استعادة الاستقرار” بعد الإطاحة بمرسي، تشير أرقام وتقديرات حقوقية وبحثية معارضة إلى صورة أكثر تعقيدًا.
أولاً: ملامح السياسات الأمنية في عهد السيسي
مع تولي السيسي السلطة عقب انقلاب 2013، تغير المشهد الأمني جذرياً، عادت الأجهزة الأمنية إلى سابق عهدها من السيطرة شبه المطلقة، وارتفعت وتيرة الاعتقالات الجماعية، والتعذيب الممنهج، والأحكام القضائية الاستثنائية، وفق تقارير حقوقية دولية.
ووفق تقرير هيومن رايتس ووتش (2015)، تسبب العنف بعد عزل مرسي في وفاة نحو 2600 شخص، بينهم 1250 من مؤيدي الإخوان، و700 من قوات الأمن.
اعتمد السيسي على تحصين الأجهزة الأمنية من المحاسبة، وعزل مسؤولين كشفوا عن فسادها مثل المستشار هشام جنينة، كما منح الشرطة امتيازات اقتصادية واسعة، وأصبح القمع الجماعي هو الرد المفضل على أي احتجاجات اجتماعية، ما أضعف قدرة النظام على امتصاص الغضب الشعبي
ثانيًا: نسب الجرائم والعمليات الإرهابية
خلال عام حكم مرسي، سُجّلت عمليات عنف متفرقة في سيناء وبعض المدن الكبرى، لكنها لم تصل إلى تصنيف "تمرد شامل"، وبلغت حصيلة العمليات المسلحة في سيناء نحو 48 عملية، بحسب مركز "سيناء لحقوق الإنسان".
وفي المقابل، تشير تقارير مرصد "ويكي ثورة" إلى أن الفترة من 2013 إلى 2017 وحدها شهدت أكثر من 1400 عملية إرهابية، معظمها في شمال سيناء، مع سقوط آلاف القتلى من الجيش والشرطة.
ورغم إعلان السيسي في 2018 عن إطلاق "العملية الشاملة سيناء 2018" لتطهير شبه الجزيرة من الإرهاب، فإن الحرب امتدت لأكثر من سبع سنوات دون حسم حقيقي، وسط تكتم رسمي على الخسائر، في وقت وثقت فيه منظمة "هيومن رايتس ووتش" عمليات تهجير قسري لأكثر من 100 ألف مواطن من رفح والشيخ زويد، وتدمير آلاف المنازل.
ثالثًا: الحريات مقابل الأمن
يقول الدكتور عمرو الشوبكي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، في مقابلة سابقة، إن "فترة مرسي لم تشهد تراجعًا في الحريات العامة رغم ضعف الأداء الأمني، بينما تحوّل الأمن في عهد السيسي إلى ذريعة لقمع غير مسبوق".
ففي عام 2012، لم تكن مصر تُصنَّف في مؤشر "فريدوم هاوس" كدولة قمعية، بينما تحت حكم السيسي صُنفت كـ"دولة غير حرة" لعام 2024، مع أكثر من 60 ألف معتقل سياسي وفق تقديرات "مركز النديم" ومنظمات دولية.
رابعًا: اغتيالات وقتل خارج القانون
خلال فترة حكم مرسي، لم تُسجَّل حالات تصفية جسدية خارج القانون، وكانت المحاكمات علنية حتى في قضايا حساسة.
أما بعد 2013، فبدأت ظاهرة "التصفيات المباشرة" تتكرر بشكل ممنهج، وأورد تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن بين عامي 2015 و2020 وحدها تم توثيق أكثر من 900 حالة قتل خارج القانون تحت مزاعم “الاشتباك مع الأمن”، دون تحقيق قضائي مستقل.
ومن أبرز الأمثلة اغتيال الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في 2016، الذي كشف عن شبكات تعذيب وقتل متورطة بجهات سيادية مصرية، وفق تحقيقات النيابة الإيطالية.
خامسًا: أمن المواطن والخوف السياسي
في عهد مرسي، ورغم ما وُصف بـ"ضعف القبضة الأمنية"، فإن المواطن العادي لم يكن مهددًا في معيشته اليومية كما هو الحال اليوم.
فبحسب المركز المصري للدراسات الاقتصادية، شهدت مصر في عهد السيسي تصاعدًا لمعدلات الجريمة الاقتصادية والاجتماعية مثل السرقة بالإكراه وجرائم القتل الأسري، نتيجة ارتفاع معدلات الفقر (وصلت إلى 29.7% عام 2023) والبطالة وتضخم الأسعار.
يعلق الخبير الأمني السابق العميد عادل سليمان: "ما نراه اليوم هو أمن سلطوي يحمي النظام لا المواطن. تمت عسكرة الدولة، وصار الأمن أداة قمع لا حماية".
سادساً: الإعلام الأمني وتزييف الوعي
شهدت فترة ما بعد 2013 صعودًا لخطاب "الأمن القومي" كذريعة لتكميم الإعلام، وتم حظر مئات المواقع، بينها مواقع صحف مستقلة كـ"مدى مصر"، وفرضت رقابة مشددة على كل من ينتقد الأداء الأمني.
في المقابل، كانت الساحة الإعلامية في عهد مرسي مفتوحة، وإن كانت فوضوية، لكن التعددية كانت حاضرة.
وفي دراسة نشرها مركز كارنيغي عام 2022، أشار الباحث ناثان براون إلى أن "السيسي أعاد تشكيل الأجهزة الأمنية لتكون أداة هندسة اجتماعية كاملة، لا مجرد قوة ردع".
خلاصة المقارنة
- عهد مرسي: اضطراب أمني جزئي في سيناء ومظاهرات واسعة، لكن مع احترام للحريات السياسية وغياب القتل خارج القانون، وسط انقسام سياسي عميق.
- عهد السيسي: استقرار أمني نسبي في المدن الكبرى، لكن بتكلفة باهظة على الحريات والحقوق، مع عسكرة الدولة واستمرار النزيف في سيناء.
المراجع:
- ويكي ثورة
- هيومن رايتس ووتش
- فريدوم هاوس
- الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز "سيناء لحقوق الإنسان"
- مركز الأهرام
- مركز كارنيغي
- تقارير صحفية 2012–2024