بشير البكر

 

تحصل تطورات وأحداث في العالم العربي، وفي المحيط الإقليمي، وتتدخّل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين. تصدر مواقف وتحرّكات سياسية، وتطلق مبادرات، وتنعقد اجتماعات. يذهب موفدون إلى عواصم القرار، وتنطلق وساطات عربية وإقليمية ودولية، وفي هذا كلّه تبدو مصر شبه غائبة، تكتفي بالحدّ الأدنى من المواقف والتصريحات، وكأنّها دولة بعيدة، أو أن ما يجري لا يعنيها.

حصلت في الستّة أشهر الماضية تطوّرات مهمّة في الشرق الأوسط، أبرزها سقوط نظام بشّار الأسد، وإعلان إسرائيل الحرب على إيران. ولم تتحرّك القاهرة، أو تُصدر مواقف ترقى إلى مستوى أهمية الحدثين وخطورتهما، رغم أنهما على صلة بأمنها القومي المباشر، وعلى أساسهما سيتقرّر مستقبل المنطقة، فسورية ليست بلدًا يقع في قارّة أخرى، وليست مجرّد جارة، بل هي على صلة عضوية مع مصر، وعلى مرّ التاريخ عاش البلدان في علاقة تكامل يسدّ كلّ ما ينقص العالم العربي، وفي لحظة ذروة هذه المعادلة التاريخية، كانت الوحدة بين البلدَين عام 1958. ورغم أنها فشلت، ولم تعمّر أكثر من ثلاثة أعوام، بقي البلدَان يرتبطان بوحدة المصير المشترك، لديهما العدو الخارجي نفسه؛ إسرائيل، والهدف نفسه؛ تحرير فلسطين، وبناء نهضة عربية، وقد أكّدت الأحداث ذلك في حربي 1967 و1973. سقطت الهزيمة على البلدَين، والردّ عليها جاء بقرار وتنسيق بينهما، ولم يخسرا إلا حينما بدأ كلّ منهما يحسب وحده من منطلق مصالحه الأنانية.

لم يتمكّن الرئيس الأسبق، أنور السادات، أن يبعد مصر عن سورية والعرب، وكانت فترة حكم الرئيس حسني مبارك ذهبية على مستوى العمل العربي المشترك، وتجسّد فعليًا لا قولًا شعار التضامن العربي، وكانت أجهزة الدولة المصرية، وفي طليعتها وزارة الخارجية تعمل بنفس عربي، وحضرت جامعة الدول العربية في كلّ القضايا العربية، من الحرب العراقية الإيرانية، إلى الاعتداءات الإسرائيلية على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان 1982، ونجح الجهد العربي المشترك في مواجهة مشاريع تصفية قضية فلسطين، والحفاظ عليها تحت مظلة الشرعية الدولية المتمثّلة بقرارات الأمم المتحدة.

ما هو ملحوظ اليوم أن مصر بعيدة عن سورية. لم ترحّب بالحكم الجديد، ولم تبد ودًّا تجاهه، بل صدرت منها مواقف تنمّ عن عداوة معه. وقد كان موقفها مستغربًا بالقياس إلى بقية الدول العربية (باستثناء تونس) التي باركت التحوّل، وبذلت جهودًا كبيرة، وقدّمت مساعدات للشعب السوري في رفع العقوبات الدولية، كما هو حال السعودية وقطر. لا يمكن تفسير سلبية مصر تجاه سورية مهما كانت الخلافات، لأنها تمرّ بمرحلة حرجة، وبحاجة إلى مساعدة أشقائها العرب لتقف على قدميها، وتواجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة والتوغّلات المستمرّة في الأراضي السورية.

حصلت الحرب الإسرائيلية على إيران، ودامت 12 يومًا، وشاركت فيها الولايات المتحدة، ولم يصدر من مصر موقف وازن، فالحرب ليست بعيدة عن حدودها جغرافيًا، وتقع في مشارف منطقة الخليج العربي، وهي معنية مباشرة بها، لأنها على صلة بالملاحة الدولية في قناة السويس. يفترض موقع مصر الجغرافي وثقلها السياسي أن يكون لها كلمة حيال الحرب من الألف إلى الياء، وأن تكون حاضرة ومشاركة في تفاصيل الحلّ والترتيبات اللاحقة، لا أن تكون في موقف المتفرّج الذي ينتظر ما ستنتهي إليه التطوّرات، ولا يحاول أن يكون فاعلًا ومؤثّرًا فيها.

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قرّرت مصر التخلّي عن دورها العربي والإقليمي؟ لا يمكن أن تكون القاهرة عاجزة عن مواكبة تطورات الوضع العربي، فهي ليست في ضعف يمنعها من أن تقوم بذلك، ممّا يجعل السؤال يكبر كلّ يوم، على قدر تطوّر الأحداث.