في تصريح هز الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا وأوروبا، قال البرلماني الفرنسي جان بول لوكرك خلال جلسة في الجمعية الوطنية الفرنسية: "إسرائيل تقتل فلسطينيًا كل 20 دقيقة، هذه ليست حربًا، إنها إبادة جماعية ممنهجة"، داعيًا الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الاحتلال ووقف أي تعاون عسكري معه.
هذا التصريح يأتي في وقت تشتد فيه الانتقادات الأوروبية والدولية لسياسات إسرائيل في غزة، وسط تزايد التقارير الحقوقية التي تؤكد أن ما يحدث يرقى إلى جريمة إبادة وفق القانون الدولي.
تصريح يهز البرلمان الفرنسي
لوكرك، وهو نائب معروف بمواقفه المناهضة للاستعمار والداعم لحقوق الإنسان، استعرض في كلمته أمام البرلمان أرقامًا صادمة صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، مؤكدًا أن القصف الإسرائيلي لغزة أدى إلى مقتل آلاف المدنيين، وأن الغالبية الساحقة من الضحايا هم نساء وأطفال.
وأضاف: "نحن نتحدث عن أكثر من 70% من الضحايا من النساء والأطفال، عن أحياء كاملة مُسحت من الخريطة، وعن حصار يمنع الغذاء والدواء والماء عن أكثر من مليوني إنسان. هذا لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة".
ردود الفعل داخل فرنسا
أثار تصريح لوكرك ردود فعل واسعة، حيث دعمه نواب من أحزاب اليسار والخضر، في حين هاجمه نواب اليمين الموالي لإسرائيل واتهموه بـ"التحيز" و"تجاهل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
لكن الملاحظ أن الموقف الشعبي في فرنسا، خاصة بين النشطاء والطلاب والجاليات المسلمة، كان داعمًا لتصريحاته، حيث انتشرت مقاطع فيديو كلمته على وسائل التواصل الاجتماعي محققة ملايين المشاهدات خلال ساعات.
أبرز المسؤولين الغربيين الداعمين لغزة
تصريح لوكرك ليس الأول من نوعه، فقد سبقته مواقف علنية من مسؤولين غربيين انتقدوا إسرائيل بشدة، من أبرزهم:
- جيريمي كوربن – زعيم حزب العمال البريطاني السابق
كوربن كان من أوائل السياسيين البريطانيين الذين وصفوا ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية"، داعيًا إلى فرض عقوبات على إسرائيل ووقف تصدير السلاح إليها.
كما شارك في مسيرات لندن الكبرى التي رفعت شعار "الحرية لفلسطين" وحضر فعاليات تضامنية مع الجالية الفلسطينية.
- بيرني ساندرز – عضو مجلس الشيوخ الأمريكي
السيناتور الأمريكي المعروف بمواقفه التقدمية، دعا إدارة بايدن إلى وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، قائلاً: "لا يمكننا أن نمول ونبرر قتل الأطفال تحت ذريعة الأمن".
قدم ساندرز مشروع قرار في الكونغرس لوقف مبيعات الأسلحة إلى تل أبيب أثناء العدوان.
- ماري نوفيون – نائبة في البرلمان الأوروبي عن فرنسا
وصفت ماري حصار غزة بـ"الجريمة ضد الإنسانية"، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل آليات محاسبة الاحتلال ووقف اتفاقيات التعاون التجاري معه.
- آلبرتو رودريغيز – نائب في البرلمان الإسباني
هاجم رودريغيز في جلسة برلمانية سياسات الحكومة الإسبانية المترددة تجاه إسرائيل، وطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مدريد احتجاجًا على "المجازر اليومية في غزة".
- ألكسندرا أوكاسيو كورتيز – عضوة الكونغرس الأمريكي
عبرت عن صدمتها من صور الأطفال الذين قُتلوا في غزة، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار، مشيرة إلى أن استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل يقوض القيم الأمريكية في حقوق الإنسان.
الإدانة الدولية وصعود لغة "الإبادة"
خلال الشهور الماضية، شهدنا تحوّلًا في الخطاب السياسي الغربي تجاه ما يحدث في غزة.
فبعد أن كانت الإدانات العلنية نادرة، أصبحت لغة "الإبادة" و"جرائم الحرب" حاضرة في خطابات بعض السياسيين والبرلمانيين وحتى وزراء سابقين.
هذا التحول جاء نتيجة:
- الضغط الشعبي والإعلامي، خاصة بعد انتشار صور الجوع والدمار على نطاق واسع.
- تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي أكدت استخدام إسرائيل لسياسات العقاب الجماعي.
- تصاعد الحركات الطلابية والعمالية التي تضغط على الحكومات لمراجعة سياساتها.
تأثير هذه المواقف على الرأي العام
في فرنسا، أدى خطاب لوكرك وغيره من السياسيين المؤيدين لغزة إلى زيادة النقاش العام حول سياسة باريس في الشرق الأوسط.
استطلاعات رأي حديثة أظهرت أن نسبة كبيرة من الفرنسيين – خاصة الشباب – ترى أن بلادهم يجب أن تتبنى موقفًا أكثر حيادًا أو حتى داعمًا لحقوق الفلسطينيين، بدل الانحياز التلقائي لإسرائيل.
ازدواجية المعايير الغربية
رغم هذه المواقف الفردية الشجاعة، يبقى الموقف الرسمي لمعظم الحكومات الغربية متحفظًا أو داعمًا لإسرائيل، وهو ما يعكس ازدواجية المعايير التي طالما انتقدها نشطاء حقوق الإنسان.
فبينما تتحرك هذه الحكومات بسرعة ضد دول أخرى متهمة بارتكاب جرائم حرب، فإنها تتردد أو تتجنب أي عقوبات على إسرائيل، بسبب تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية.
وختاما فإن تصريح البرلماني الفرنسي جان بول لوكرك ليس مجرد جملة عاطفية، بل هو انعكاس لحقيقة موثقة بالأرقام والصور: غزة تتعرض لإبادة جماعية على مرأى ومسمع العالم.
المواقف الشجاعة لبعض السياسيين الغربيين تؤكد أن الضمير الإنساني لا يزال حاضرًا، لكنها في الوقت نفسه تكشف ضعف التحرك الرسمي أمام نفوذ اللوبيات المؤيدة لإسرائيل.
ويبقى السؤال: هل يمكن أن تتحول هذه المواقف الفردية إلى سياسة عامة تغير من ميزان القوى وتوقف نزيف الدم في غزة؟