في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط التعليمية، أعلن وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف عن إعادة أعمال السنة لطلاب الصف الثالث الإعدادي، بعد سنوات من إلغائها.
القرار الذي جاء ضمن تعديلات مقترحة على قانون التعليم، قوبل بموجة غضب عارمة بين المعلمين وأولياء الأمور، إذ اعتبره الكثيرون بعيدًا تمامًا عن واقع المدارس المصرية المكتظة والمتهالكة، وعن الظروف التي يعيشها المعلمون والطلاب على حد سواء.
خلفية القرار
أعمال السنة، وهي آلية تقييم تعتمد على درجات الأنشطة والاختبارات الشهرية والمشاركة في الفصل، كانت تُطبق في الصف الثالث الإعدادي حتى نحو خمس سنوات مضت، قبل أن يتم إلغاؤها والاكتفاء بالامتحانات النهائية لتحديد مصير الطالب.
في ذلك الوقت، بررت الوزارة الإلغاء بالرغبة في الحد من التلاعب بالدرجات والمحاباة، ولتقليل الضغط على المدارس التي تعاني من كثافة طلابية ونقص في الكوادر.
لكن الوزير الحالي أعاد الفكرة فجأة، معلنًا أنها ستدخل حيز التنفيذ في العام الدراسي المقبل، ضمن تعديلات قانون التعليم التي — على حد قوله — تهدف إلى "تطوير منظومة التقييم وتحقيق العدالة بين الطلاب".
غضب المعلمين… لماذا؟
الاعتراض من المعلمين لم يكن على فكرة التقييم المستمر من حيث المبدأ، بل على توقيت القرار وظروف تطبيقه.
- المدارس غير مهيأة
كثير من مدارس الإعدادي لم تضع في حساباتها منذ سنوات استقبال طلاب الصف الثالث الإعدادي طوال العام لأنهم كانوا يقضون وقتهم بشكل أساسي في المراجعات النهائية والامتحانات. الآن، سيُطلب من المعلمين متابعة أعمال السنة لعدد ضخم من الطلاب في ظل فصول مزدحمة تتجاوز أحيانًا 70 طالبًا.
- زيادة الأعباء بلا دعم
المعلمون يرون أن القرار يضاعف أعباءهم الإدارية والتعليمية، إذ يتطلب تنظيم أنشطة، وتصحيح اختبارات شهرية، وتوثيق درجات، وإدخالها في سجلات، دون أي زيادة في الرواتب أو توفير حوافز.
- غياب التدريب والبنية
لا توجد خطط معلنة لتدريب المعلمين على آليات تقييم شاملة أو توفير الأدوات اللازمة، مثل أوراق عمل كافية، أو معامل مجهزة، أو مساحات للأنشطة.
أولياء الأمور… بين الشك والخوف
أولياء الأمور من جانبهم ينظرون إلى القرار بريبة، ويرون أنه قد يفتح الباب مجددًا لمشكلات المحسوبية والفساد في توزيع الدرجات، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها الدروس الخصوصية والعلاقات الشخصية بين المعلمين وأهالي الطلاب.
كما يخشى كثيرون أن يتحول الأمر إلى عبء مالي إضافي على الأسر، إذ سيشعر الطلاب بضرورة حضور مجموعات تقوية أو دروس على مدار العام لضمان تحصيل درجات أعمال السنة.
المدارس… زحام وضغط بلا حلول
الواقع التعليمي في مصر يجعل أي قرار من هذا النوع محفوفًا بالمخاطر.
- كثافة الفصول: في معظم مدارس الجمهورية، خاصة في المحافظات الكبرى، يتراوح عدد الطلاب في الفصل بين 50 و80، وهو رقم يجعل التقييم الفردي مستحيلًا عمليًا.
- نقص المعلمين: هناك عجز معلن في أعداد المعلمين يصل لعشرات الآلاف، ما يدفع بعض المدارس للاعتماد على المدرسين المتطوعين أو غير المتخصصين.
- البنية التحتية المتهالكة: مدارس بلا ملاعب أو معامل أو مكتبات، ما يجعل الحديث عن أنشطة طلابية أشبه بالترف.
الوزير… قرارات من "برج عاجي"
الانتقادات الموجهة للوزير لا تتعلق فقط بالقرار الحالي، بل بأسلوب إدارته الذي يعتبره كثيرون بعيدًا عن الواقع الميداني.
يصف بعض المعلمين والمهتمين بالتعليم الوزير بأنه يعيش في "عالم آخر"، يتخذ قرارات على الورق تبدو مثالية، لكنها في الواقع غير قابلة للتنفيذ دون تغييرات جذرية في البيئة التعليمية.
هذا النمط من الإدارة -كما يقول منتقدوه- يركز على "الشكل" أكثر من "المضمون"، حيث تُعلن إصلاحات وقوانين جديدة دون معالجة المشاكل الأساسية التي تقوض العملية التعليمية، مثل الفقر، والاكتظاظ، ونقص الموارد.
مقارنة مع نظم تعليمية أخرى
في كثير من الدول، يُعتبر التقييم المستمر جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية، لكن الفرق أن تلك الدول توفر:
- فصول صغيرة لا يزيد عدد الطلاب فيها عن 25.
- معلمين مدربين على أساليب التقييم الحديثة.
- بنية تحتية تدعم الأنشطة البحثية والتجريبية.
- شفافية في رصد الدرجات، مع آليات تظلم فعّالة.
في المقابل، في مصر، يُلقى القرار في بيئة منهكة، حيث يتعامل المعلمون مع أعداد مهولة من الطلاب، وغالبًا دون أي دعم لوجستي أو مادي.
تداعيات محتملة للقرار
- إرهاق المعلمين: ما قد يؤدي إلى مزيد من التسرب من المهنة أو البحث عن دخل إضافي على حساب جودة التدريس.
- زيادة الدروس الخصوصية: إذ سيحاول الطلاب ضمان درجاتهم في أعمال السنة عبر دعم خارجي.
- إحباط أولياء الأمور: إذا شعروا أن الدرجات تُمنح بطرق غير عادلة أو غير شفافة.
- صدام ميداني: بين إدارات المدارس والمعلمين بسبب الضغط الزائد، وربما مع الطلاب أنفسهم إذا شعروا بالظلم.
صرخات
معلم لغة عربية في القاهرة: "إحنا مش قادرين نتابع طلاب أولى وتانية إعدادي، هيجي الوزير يطلب منا نعمل أعمال سنة لثالثة إعدادي! ده عبث".
ولية أمر في الإسكندرية: "أنا مش ضد الفكرة، لكن في مدارس أولادنا مش لاقيين كراسي، إزاي **هي**عملوا أنشطة ومشاريع؟".
طالب: "ده معناه إننا طول السنة تحت ضغط، واللي مش بيعرف يمسك ورقة نشاط ممكن يضيع منه النجاح".
الحلول الغائبة
إذا كان الهدف هو تطوير التقييم، فإن الحلول يجب أن تبدأ من الأساس:
- خفض كثافة الفصول عبر بناء مدارس جديدة وتوزيع الطلاب بعدل.
- تعيين معلمين جدد وتدريبهم على استراتيجيات التقييم المستمر.
- تحسين البنية التحتية وتوفير أدوات تعليمية وأنشطة.
- تجريب القرار تدريجيًا في مدارس مختارة قبل تعميمه.
- إشراك الميدان في اتخاذ القرار عبر استطلاع آراء المعلمين وأولياء الأمور.
وفي النهاية فإن قرار وزير التعليم بإعادة أعمال السنة للصف الثالث الإعدادي ليس مجرد تعديل إداري، بل خطوة مثيرة للجدل تكشف الفجوة العميقة بين صناع القرار والواقع التعليمي على الأرض.
في ظل مدارس مكتظة، ومعلمين مثقلين بالمهام، وبنية تعليمية ضعيفة، يبدو أن القرار سيضيف عبئًا جديدًا بدلًا من أن يكون أداة تطوير.
الأزمة الحقيقية ليست في مبدأ التقييم المستمر، بل في غياب الرؤية الواقعية للتنفيذ، وافتقاد الإرادة الحقيقية لإصلاح جذور مشاكل التعليم في مصر، من الفصول المكدسة إلى نقص الكوادر.
وأخيرا، سيظل السؤال معلقًا: هل نحن أمام إصلاح حقيقي، أم مجرد قرار آخر من قرارات "البرج العاجي" التي لا ترى الفصول المزدحمة والطلاب الواقفين بلا مقاعد؟