تستمر أزمة إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية إلى قطاع غزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، وسط اتهامات متصاعدة لإسرائيل بفرض عراقيل سياسية واقتصادية متعمدة، في وقت تتزايد فيه الشبهات حول احتكار رجل الأعمال المصري إبراهيم العرجاني لعمليات النقل والتوزيع، ما يثير جدلاً واسعاً حول شفافية وآليات إيصال الإمدادات إلى السكان المحاصرين.

خلال الأيام الماضية، شهدت حركة الشاحنات القادمة من مصر تباطؤاً شديداً، حيث أفاد سائق شاحنة بأن سلطات الاحتلال تعمدت الإعلان عن ضبط كميات من السجائر والمعسل والهواتف المحمولة داخل بعض الطرود، لتستخدم هذه الحوادث النادرة ذريعة لتعطيل قوافل كاملة.
وفي المقابل، يُسمح في أحيان أخرى بإدخال شحنات تخص تجاراً محددين تربطهم علاقات وثيقة بالجانب الإسرائيلي، ما يفتح الباب أمام استفادة اقتصادية انتقائية.
 

دور العرجاني وهيمنة "أبناء سيناء"
يشير سائقون ومصادر حكومية مصرية إلى أن شركة "أبناء سيناء" التي يرأسها إبراهيم العرجاني تستحوذ على النصيب الأكبر من عقود نقل المساعدات والبضائع التجارية الموجهة لغزة، سواء عبر معبر رفح أو كرم أبو سالم.
وتشمل هذه العقود تجهيز وتغليف ونقل الطرود الغذائية لصالح مؤسسات دولية ودول عربية وإسلامية، متجاوزة شركات محلية أخرى.

العرجاني، البالغ من العمر 54 عاماً، هو رئيس اتحاد القبائل العربية في سيناء، ويمتلك شبكة شركات أبرزها "مجموعة شركات أبناء سيناء"، و"شركة مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، و"شركة أبناء سيناء للتجارة والمقاولات العامة"، إضافة إلى مؤسسة خيرية تحمل اسم "سيناء للخير والتنمية الاقتصادية".
وهو مقرب من سلطات السيسي، وسبق أن عينه عبد الفتاح السيسي عضواً بالجهاز الوطني لتنمية سيناء في نوفمبر 2023.
 

الاستيراد تحت قيود الاحتلال
من جانبه، يؤكد محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" في غزة، أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يمنع الاستيراد الحر للبضائع، ويقصره على عدد محدود من التجار وبشروط صارمة.
ويضيف أن إجراءات التفتيش في معبر كرم أبو سالم، التي تتذرع بضبط "بضائع مشكلة" أو محاولات تهريب مواد مثل السجائر والمخدرات، غالباً ما تكون انتقائية وتخدم أهدافاً اقتصادية وسياسية.
 

"الأقصى للتأمين" وسيطرة النقل داخل غزة
تتولى شركة "الأقصى للتأمين"، المرتبطة باللجنة المصرية العاملة في غزة، مسؤولية تأمين البضائع والمساعدات الواردة من مصر.
ووفق مصدر أمني فلسطيني، فإن الشركة تمتلك أسطولاً من الشاحنات والمركبات المصرية داخل القطاع، وتستعين بمسلحين لتأمين عمليات النقل، خاصة في "المناطق الحمراء" بمدينة رفح، وهي مناطق مغلقة أمام المدنيين.
كما تمتلك مقار في منطقة المواصي الساحلية.
 

حصار خانق وتجويع ممنهج
في ظل هذه التعقيدات، يزداد الوضع الإنساني في غزة سوءاً، مع ندرة السلع الأساسية وارتفاع أسعار ما يتوفر منها، إضافة إلى تقارير عن وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية.
ويصف مسؤولون فلسطينيون هذه السياسة بأنها "تجويع ممنهج" يهدف إلى الضغط على سكان القطاع، بينما يبقى الاحتلال والإجراءات المرتبطة بنقل وتوزيع المساعدات أبرز العقبات أمام وصول الدعم إلى مستحقيه.
 

خلفية عن إبراهيم العرجاني
يرتبط اسم شركة "أبناء سيناء" بشخصية مثيرة للجدل هي إبراهيم العرجاني، المنحدر من مدينة الشيخ زويد شمال سيناء.
ووفق مصادر محلية، فقد خرج العرجاني من السجن عام 2010 بعد عامين من الاحتجاز في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك على خلفية قضية اختطاف أفراد شرطة، وهي واقعة ارتبطت آنذاك باتهامات أمنية وصفت بأنها "إرهابية".

بعد خروجه، تحوّل العرجاني إلى واحد من أبرز رجال الأعمال في سيناء، حيث أسس شركته الخاصة وتوسع نشاطه في مجالات النقل والمقاولات والخدمات اللوجستية.
كما تولى رئاسة "اتحاد القبائل العربية" الذي تشير تقارير إلى أنه يحظى برعاية رسمية وحماية من عبد الفتاح السيسي.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن العرجاني يتلقى أموالاً من فلسطينيي غزة بالدولار مقابل تسهيلات عبورهم إلى الأراضي المصرية منذ 7 أكتوبر 2013 وحتى اليوم، ما أضاف إلى شبكة نفوذه الاقتصادي دوراً حساساً على صلة مباشرة بحركة الأفراد والبضائع عبر الحدود.