يعيش آلاف الطلاب وأُسرهم في مصر قلقًا غير مسبوق بعد موجة ارتفاعات جديدة في مصروفات الدراسة بالجامعات الخاصة والدولية، ومن بينها «الجامعة العربية» في مصر (بما يشمل المؤسسات التابعة للمنظومة العربية أو العاملة تحت إشرافها).
الزيادات المتتالية، سواء أُعلن عنها دفعة واحدة أو تسربت عبر جداول السداد، لم تعد تُقاس بالنسبة المئوية بقدر ما تُقاس بحجم الصدمة التي تتلقاها ميزانيات الأُسر: أقساط تُدفع بالدولار أو تُسعَّر على أساس سعر صرف متقلب، بنود إدارية مفاجئة، ورسوم «نشاط» أو «خدمات» تُضاف بلا شرح كافٍ وسط تضخّم يلتهم الدخول، وارتفاع في كلفة المعيشة، وانكماش في قدرة الطبقة الوسطى على تحمّل تعليم نوعي لأبنائها.
شهادات طلابية
وتحليلٌ لأسباب الأزمة، وآثارها الأكاديمية والنفسية، وما الذي يمكن فعله لتفادي موسم نزيف جماعي خارج القاعات.
استغاثات وشكاوى
هذه ليست قصة أرقام فحسب، بل حكاية أحلام على المحك: كما يحكي طالب في السنة الأخيرة بالجامعة العربية عن خشيته الانقطاع، وفي نفس الوقت تفاضل أسرة بين سداد القسط وبين التزامات منزلية أساسية، وأمّ تقول إن حلم ابنها «انقلب جدول أقساط».
وفي حديثه لأحد المواقع الإلكترونية، يشير طلاب إلى أن القفزة لم تأتِ من بند واحد؛ بل من خليط من العوامل: تسعير بعض المقررات أو الخدمات وفق «معادل دولاري»، إضافة رسوم معامل ومكتبات وخدمات تقنية، واشتراطات دفع مُقدَّم أعلى من الأعوام السابقة.
كما قالت مريم.س (طالبة بالسنة الثالثة): «المشكلة ليست في الزيادة فقط، بل في توقيتها وطريقة إخطارنا. فجأة نجد بريدًا إلكترونيًا يحدّد موعد سداد مُعجّل مع تهديد بغرامة تأخير. أين الحوار؟ أين الشرح؟».
ويضيف حسن.م (هندسة): «نتفهم كطلاب أن التشغيل مكلف -معامل، أجهزة، مرتبات، صيانة- لكن من حقنا نعرف لماذا ترتفع المصروفات بهذه النِّسَب، ولماذا لا توجد آلية ربط واضحة بين تكلفة الخدمة التعليمية ومستوى الرسوم؟».
الدولار «الحاضر الغائب»: عندما تتسع الفجوة بين الدخل المحلي والتكلفة الدولية
جزء معتبر من الكلفة التشغيلية لجامعات خاصة/دولية في مصر مرتبط باستيراد أجهزة ومستلزمات، أو برواتب خبراء زائرين، أو اعتماد من جهات خارجية — وكلها بنود تتأثر بالدولار.
لكن المشكلة، كما يراها أولياء الأمور، ليست في الاعتراف بذلك، بل في تحويل المخاطر كاملة إلى الطالب.
تقول نجلاء.ك (ولية أمر لطالبة تمريض): «نحن نتقاضى رواتب بالجنيه وندفع أقساطًا تتصرّف كأنها بالدولار. لماذا لا توجد سياسات تحوّط تشاركية؟ لماذا لا تتبنّى الجامعة جزءًا من الصدمة بدل ترحيلها كاملة للأُسر؟».
ويُعلّق علي.ر (محاسب ووالد لطالب في الإعلام): «كان يمكن -على الأقل- تثبيت الرسوم لمن هم داخل البرنامج حتى التخرج، أو وضع سقف سنوي واضح مُعلن منذ القبول. هكذا تُدار المخاطر بعدل».
أولياء الأمور: «نريد قواعد عادلة، لا وعود علاقات عامة»
ويقول مدحت.س (موظف قطاع خاص): «الجامعة تحدثنا عن الجودة والاعتماد. جيد. لكن الجودة ليست ذريعة لفتح صنبور الرسوم بلا ضابط. نريد تقارير مالية مُبسطة تُعرض على المجتمع الطلابي».
وتضيف إيمان.ن (طبيبة): «أقترح جدولة تُراعي مواسم الدخل — بعضنا يعمل بالمناوبات أو الممارسات الحرة. أيضًا نحتاج آلية تظلّم حقيقية تراجع الحالات الإنسانية، لا مجرد بريد لا يرد».
واستطرد محمود.ل (معلم): «ابني في سنته الأولى. فوجئت أن «رسوم الخدمات» توازي 20–25% من القسط الأساسي. لماذا لا تُفصّل البنود؟ لماذا لا نستطيع اختيار ما نحتاجه فعلًا؟».
الرسالة المشتركة: الشفافية أولًا، ثم حلول تمويلية عادلة، ثم إصلاح نظامي في آليات التسعير.
التأثير الأكاديمي: عندما يهدد القسط «الاستمرارية التعليمية»
ارتفاع المصروفات لا يقتصر أثره على الجيب؛ بل يمتد إلى جودة العملية التعليمية.
تفيد شكاوى بأن بعض الطلاب باتوا:
- يؤجّلون مقررات لتخفيف القسط، ما يطيل زمن التخرج ويشوّش المسار الأكاديمي.
- يعملون لساعات طويلة بالتوازي مع الدراسة، فتتراجع مشاركتهم الأكاديمية ومعها التحصيل.
- يتجهون لحلول جزئية (مشاريع جماعية مدفوعة، دروس خارجية)، ما يُضعف روح البحث الفردي.
تشرح هدى.م (معيدة سابقة): «التعليم الجيد ليس مبنى ومعملًا فقط؛ هو وقتٌ خالٍ من الهلع المالي يتيح للطالب أن يقرأ ويجرّب ويخطئ. حين يعيش الطالب على حافة الانقطاع، يتراجع كل شيء».
أين دور الدولة والرقابة؟
الطلاب والأسر لا يطلبون تسييس الملف، بل حماية المستهلك التعليمي:
• شفافية تسعير ملزمة: إعلان مسبق لهيكل الرسوم قبل الفصل/العام الدراسي، مع سقفٍ للزيادة للدفعة نفسها حتى التخرج.
• آلية تظلّم مستقلة: لجنة مشتركة (وزارة التعليم العالي + ممثلو الطلاب + الجامعة) للفصل في الشكاوى الفردية والجماعية.
• حوافز للمنح: إعفاءات ضريبية أوسع للجامعات التي ترفع نسب المنح الحقيقية (لا الشكلية)، وربط الاعتماد الأكاديمي ببرامج دعم فعّالة للطلاب محدودي الدخل.
• تمويل تعليمي منخفض الكلفة: بروتوكولات مع البنوك لتقديم قروض تعليمية بفائدة مدعومة، بضمانات ميسّرة، وسداد يبدأ بعد التخرج.
هذه أدوات لا تُقصي القطاع الخاص، لكنها تُعيد عدالة الحد الأدنى إلى سوقٍ شديد الحساسية اجتماعيًا.
وأخيرًا، فاستغاثة طلاب «الجامعة العربية» في مصر ليست حدثًا عابرًا؛ بل إنذار مبكر بأن موجة تسعير بلا ضوابط اجتماعية ستقوّض المسار الأكاديمي لطبقة كاملة.
لا أحد يجادل في حق المؤسسات التعليمية في تغطية كلفتها وتطوير بنيتها، لكن حين تتحول كل أزمة اقتصادية إلى فاتورة مباشرة على الطالب، نكون أمام مخاطرة اجتماعية لا تحتمل.
الحل ليس في الانسحاب ولا في التراشق، بل في تعاقدٍ جديد واضح: شفافية تسعير، سقوف زيادات، منح وتمويل رحيم، وحوارٌ حقيقي لا يخاف من الأرقام.
فإذا كان التعليم هو السلم الوحيد المتبقي للصعود الاجتماعي، فإن كسره برفع الرسوم بلا تدرّج ولا حوار لن يُسقط طالبًا بعينه فقط، بل سيُسقط معنا ثقة مجتمعٍ بأكمله في أن المستقبل يُصنع بالاجتهاد لا بحجم ما في الجيب.