لم يعد الجوع في غزة مجرّد أزمة إنسانية عابرة، بل تحوّل إلى سلاحٍ معلن ضد أكثر من مليوني إنسان محاصرين منذ أشهر.
التقارير الطبية والحقوقية الصادرة مؤخراً تكشف عن مأساة مروّعة: أجساد أطفال تتحول إلى هياكل عظمية، ومستشفيات تستقبل يومياً عشرات الحالات من سوء التغذية الحاد.
ومع تأكيد الهيئة الدولية لمراقبة الجوع في العالم أنها بصدد إعلان المجاعة رسمياً في مدينة غزة، يتصاعد الغضب الدولي والنداءات العاجلة لإنقاذ السكان من موت بطيء يطال بالدرجة الأولى الأطفال.
 

تقارير أممية تدق ناقوس الخطر
الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة لم تتوقف عن التحذير منذ شهور. برنامج الأغذية العالمي أوضح أن معدلات انعدام الأمن الغذائي في غزة هي الأعلى على مستوى العالم حالياً، وأن نصف السكان يعانون الجوع الحاد.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكد بدوره أن حجم المساعدات التي تدخل القطاع لا يغطي سوى جزء يسير من الاحتياجات اليومية، وأن آلاف الأسر لا تجد وجبة واحدة كاملة في اليوم.
منظمة الصحة العالمية شددت على أن سوء التغذية الحاد بات تهديداً مباشراً لحياة عشرات آلاف الأطفال، فيما وصفت اليونيسف الوضع بأنه "أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم في العصر الحديث".
 

انتقادات دولية لسياسة إسرائيل
تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف ذهب إلى حد اتهام إسرائيل باستخدام "التجويع كسلاح حرب"، وهو ما اعتبرته جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وصفت السياسات الإسرائيلية بأنها "عقاب جماعي" ممنهج يهدف إلى تركيع المدنيين عبر حرمانهم من الغذاء والماء.
حتى بعض الحكومات الغربية أعربت عن قلقها من الكارثة، حيث دعت فرنسا وإسبانيا وعدة دول أوروبية إلى فتح ممرات إنسانية دائمة، محذّرة من أن منع وصول المساعدات يمثل خطراً على جيل كامل من أطفال غزة.
 

الأطفال.. الوجه الأكثر مأساوية للأزمة
الأرقام التي توثقها المستشفيات في شمال غزة صادمة:
أكثر من ثلاثين طفلاً لقوا حتفهم خلال الأشهر الماضية بسبب الجوع وسوء التغذية، معظمهم رُضّع لم يتجاوزوا العام الأول من عمرهم. أسماء مثل الطفلة "هالة أبو ريا" والرضيع "محمود دلول" أصبحت رمزاً لمعاناة غزة بعد أن فقدا حياتهما أمام عدسات الكاميرات، وسط عجز الأطباء عن إنقاذهما لغياب الحليب والأدوية.
أطباء بارزون من مستشفى كمال عدوان ومستشفى الشفاء تحدثوا عن وصول أقسام الطوارئ إلى حالة من الاكتظاظ، حيث يستقبلون يومياً أطفالاً بجلود مشدودة على عظام بارزة، مؤكدين أن موجة وفيات جديدة قادمة ما لم يتم إدخال الغذاء بشكل عاجل.
 

دعوات الإنقاذ العاجلة
الهيئة الدولية لمراقبة الجوع شددت على أن إعلان المجاعة في غزة ليس مجرد وصف لحالة طارئة، بل تحذير خطير يتطلب تحركاً فورياً من المجتمع الدولي.
الأمين العام للأمم المتحدة دعا الدول المؤثرة إلى الضغط على إسرائيل لفتح المعابر أمام الغذاء والدواء بلا قيود، فيما ناشدت "أطباء بلا حدود" بإرسال فرق طبية عاجلة لإنقاذ مئات الأطفال الذين يواجهون الموت في أقسام العناية المركزة.
اليونيسف طالبت بتأمين قوافل يومية من المواد الغذائية الأساسية، مؤكدة أن حياة عشرات آلاف الأطفال معلقة على قرار سياسي بحت، وأن ما يجري "كارثة من صنع الإنسان بالكامل".

وأخيرا فبينما تتجه الهيئة الدولية لمراقبة الجوع إلى إعلان رسمي بالمجاعة في غزة، يزداد وضوح الصورة: سياسة ممنهجة من التجويع تفتك بأضعف الفئات – الأطفال والرضع – وتضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني.
كل يوم يمرّ يسقط مزيد من الضحايا، وكل ساعة تأخير في إدخال الغذاء تكتب أسماء جديدة في سجل الموت البطيء.
السؤال اليوم لم يعد هل تحدث المجاعة، بل إلى أي مدى سيتجاهل العالم هذه الجريمة قبل أن تتحول غزة إلى مقبرة جماعية بفعل الجوع؟