في خطوة سياسية لافتة، تبنى البرلمان الأوروبي في 11 سبتمبر 2025 قرارًا بأغلبية 305 صوتًا مؤيدًا مقابل 151 ضد و122 ممتنعًا، يدعو فيه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى النظر في الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وإتاحة الضغط الدبلوماسي والأوروبي لتطبيق حل الدولتين، في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة. هذا التصويت يدل على تحول ملموس في موقف البرلمان الأوروبي تجاه إسرائيل ومن سياساتها، في وقت تشهد فيه المعاناة الإنسانية تصاعدًا، ويشعر كثيرون بأن الصمت لم يعد خيارًا مقبولًا.

وجاءت هذه الرسالة بعد تصريحات قوية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي أطلقت أمس أشد إداناتها للحكومة الإسرائيلية منذ بدء الحرب المستمرة منذ 23 شهرًا، مؤكدة أن "المجاعة المصنوعة بيد الإنسان لا يمكن أن تُستخدم كسلاح حرب".

ودعت فون دير لاين إلى فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين متطرفين، إضافة إلى تعليق الجزء التجاري من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل. كما أعلنت عن تجميد دعم مالي مباشر للحكومة الإسرائيلية، يشمل 6 ملايين يورو من الصناديق الإقليمية و14 مليون يورو مخصصة للمؤسسات العامة.

 

مضمون القرار الأوروبي وأبرز ما ورد فيه

الأدلة التي اعتمدها البرلمان الأوروبي ركّزت على ما وصفها بـ "الأزمة الإنسانية الكارثية" في غزة، حيث أدان النواب بشكل صارم ممارسات إسرائيل في عرقلة المساعدات الإنسانية، ما يساهم في خلق أزمة غذائية في شمال غزة.

طالب البرلمان بفتح كافة المعابر الحدودية ذات الصلة، وإعادة منح وكالة الأونروا صفة تفوّضها الكامل وتمويلها، مع ضمان الرقابة على توزيع المساعدات.

القرار شدّد على أن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا يبيح القيام بأعمال عسكرية عشوائية، وأن العمليات العسكرية يجب أن تراعي القوانين الدولية والإنسانية، خصوصًا حماية المدنيين.

كما دعا القرار إلى وقف دائم وفوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وإعادة البُنى التحتية المدمرة، وأعرب عن القلق من ارتفاع نسبة الفقراء والمحتاجين والمصابين بين المدنيين.

تم التأكيد أيضاً على أن هناك حاجة ملحة لدعم دبلوماسي ملموس من قبل الدول الأوروبية لاعتراف رسمي بدولة فلسطين، كجزء من رؤية حل الدولتين.

 

السياق الذي أدى إلى هذا التحول

أزمة غزة الإنسانية تفاقمت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، حيث شُوهدت مؤشرات المجاعة ونقص الغذاء والمياه والكهرباء في بعض المناطق. هذا الضغط الشعبي والإعلامي في دول الاتحاد الأوروبي أثَّر على برلماناتها وعلى الرأي العام، مطالبين باتخاذ مواقف أكثر صرامة.

كذلك تصريحات قيادية مثل تلك الصادرة عن رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين» التي أعلنت عن نيتها طرح حزمة من الإجراءات ضد إسرائيل، منها تجميد الدعم الثنائي وتجديد الدعوات لوقف جزء من الاتفاقيات التجارية مع تل أبيب، ساهمت في تأجيج النقاش داخل البرلمان.

 

ردود الفعل والتحديات المحتملة

رغم أن القرار غير ملزم من الناحية القانونية، إلا أن تأثيره الرمزي والسياسي كبير: يُظهر أن هناك تصدعًا في الخطاب الأوروبي التقليدي الداعم لإسرائيل، وأن الأصوات التي تطالب بموقف أكثر حزمًا أصبحت ذات نفوذ في البرلمان.

من المحتمل أن يواجه هذا القرار معارضة من بعض الدول الأعضاء التي تربط علاقات استراتيجية واقتصادية قوية مع إسرائيل، أو التي تخشى انعكاساته على أمنها المحلي أو على علاقاتها مع الولايات المتحدة. الأمر الذي قد يحد من تطبيق قرار الاعتراف عمومًا بسرعة.

أيضاً، التشديد الأوروبي على فتح المعابر وتسهيل المساعدات يأتي مع تحديات تنفيذية، خاصة أن إسرائيل تسيطر على معظم هذه المعابر، وهناك عقبات لوجستية وأمنية وسياسية في السماح بالوصول الكامل.

وصوّت البرلمان الأوروبي بـ 305 صوتًا مؤيدًا على قرار يدعو الدول الأعضاء إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وذلك في سياق أزمة غزة المتصاعدة والأزمة الإنسانية التي هزّت ضمير العالم. هذا التصويت يعد مؤشراً على تحوّل سياسي حقيقي: من مجرد إدانة إلى دعوة فعلية لاتخاذ مواقف ملموسة.

لكن مع ذلك، تبقى الكلمة في النهاية للدول الوطنية التي تمتلك صلاحية الاعتراف الرسمي التي تحدد السياسات الخارجية. وفي ظل هذا القرار، يصبح السؤال ليس إذا سيُتخذ الاعتراف، وإنما متى وكيف سيتم تنفيذه، وما هي التداعيات التي قد تترتب عليه داخليًا ودوليًا.