في قلب عزبة الخمسين التابعة لمركز أبو صوير بمحافظة الإسماعيلية، تحولت الطرق إلى مستنقعات من الطين والمياه الآسنة بعد انفجار متكرر لمواسير المياه والصرف الصحي. على مدى الأسابيع الماضية، يعيش المواطنون حالة من العزلة التامة بسبب تدهور البنية التحتية وعدم تجاوب الأجهزة التنفيذية مع مناشداتهم اليومية لإصلاح الطريق الرئيسي الرابط بين القرية ومدينة الإسماعيلية.

يقول محمود عبد العليم، أحد سكان العزبة: "بقينا نحس إننا منسيين، العربية مش بتدخل، الأطفال بيتزحلقوا في الطين وإحنا مش عارفين نروح شغلنا ولا نودي العيال المدارس". وتنتشر مشاهد المعاناة في كل زاوية من شوارع القرية التي تغمرها المياه المختلطة بالصرف، مسببة روائح كريهة وتلوثًا حادًا يهدد سكان المنطقة بأمراض جلدية وتنفسية.
 

انهيار الطريق وتحوله إلى خطر يومي
الطريق الرئيسي المؤدي إلى العزبة كان شريان الحياة الوحيد لأهالي أبو صوير الفرعية، لكنه انهار تحت ضغط مياه الصرف المتسربة من المواسير المهترئة. تآكلت طبقاته الإسفلتية، وتحولت إلى حفر تغمرها المياه والطين. نتيجة لذلك، تعطلت حركة النقل بشكل شبه كامل، حيث توقفت سيارات النقل الجماعي عن المرور، وأصبحت سيارات الإسعاف غير قادرة على الوصول إلى حالات الطوارئ.
يقول السائق سامي رضوان: "كنا بنوصل الناس في خمس دقايق، دلوقتي بنقعد نص ساعة وسط الطين، والعربية تغرز ومفيش حد يساعدنا".


رغم خطورة الموقف، فإن استجابة المسؤولين المحليين لا تزال محدودة. بعض الأهالي يؤكدون أنهم تقدموا بعدة شكاوى منذ شهور إلى مجلس المدينة، لكن الردود اقتصرت على وعود بإدراج المنطقة في خطة التطوير المقبلة “عند توافر الميزانية”.
 

تواطؤ وصمت إداري
ما يضاعف الأزمة، بحسب السكان، هو صمت الأجهزة التنفيذية في ظل تفاقم المعاناة. فبدلًا من إرسال فرق صيانة عاجلة، اكتفت شركة المياه ببضعة زيارات شكلية دون تنفيذ أعمال حقيقية لإصلاح التسربات.
يُحمّل الأهالي المسؤولية المباشرة لمحافظ الإسماعيلية ومسؤولي شركة مياه الشرب والصرف الصحي، معتبرين أن الإهمال المزمن في صيانة الشبكات هو السبب الرئيسي لتفجّر الأزمة الحالية. ويرى بعض النشطاء المحليين أن ما يحدث يعكس سياسة الإهمال الممنهج التي تتعامل بها الحكومة مع المناطق الريفية، حيث تغيب الرقابة والمساءلة بينما يتفاقم الضرر الاجتماعي والبيئي.
 

الصحة في خطر والبيئة تنهار
المشهد البيئي في أبو صوير لم يعد يحتمل. الروائح الكريهة الناتجة عن اختلاط الصرف بمياه الأمطار والمنازل تحولت إلى سحابة خانقة فوق المنطقة. الأطباء المحليون أبلغوا عن زيادة في حالات الحساسية الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي بين الأطفال. ومع فشل الجهات المعنية في احتواء الكارثة، بدأ بعض الأهالي في سد الحفر يدويًا بالأتربة لتسهيل مرور الطلاب والمشاة، في مشهد يعكس غياب الدولة وانهيار أدنى مقومات الخدمات العامة.

يحذر أستاذ البيئة في جامعة قناة السويس، الدكتور حسن عبد الرازق، من أن التسرب المستمر لمياه الصرف يمكن أن يؤدي إلى تلوث جوفي خطير قد يمتد إلى مصادر مياه الشرب القريبة، مطالبًا بتحرك فوري لإعادة تأهيل الشبكة وإصلاح الطريق قبل أن تتحول العزبة إلى بؤرة وبائية.
 

مطالب السكان
يطالب الأهالي بتدخل عاجل من رئاسة الوزراء ومحافظة الإسماعيلية لإعادة رصف الطريق، وإصلاح شبكة الصرف بالكامل، وتطهير الترع والمجاري المائية المحيطة بالعزبة. كما يطالبون بفتح تحقيق في أسباب تجاهل الشكاوى السابقة وتحديد المسؤولية بين مجلس المدينة وشركة المياه، خصوصًا بعد نشر صور وفيديوهات توثق الحالة المأساوية على صفحات التواصل الاجتماعي المحلية.
 

غياب العدالة التنموية
أزمة أبو صوير ليست حالة منفردة، بل تعكس نمطًا عامًا من التهميش الذي تعاني منه القرى المصرية، حيث تُرصد المليارات لمشروعات كبرى بينما تُترك القرى الأصغر لمواجهة مصيرها في الطين والمياه. إلى أن تتحرك الحكومة بخطة عاجلة، سيبقى طريق أبو صوير مثالًا مؤلمًا على هشاشة البنية التحتية وضعف الاستجابة الإدارية أمام أبسط حقوق المواطنين في العيش بكرامة.