في غضون أيام قليلة، شهدت القارة الأفريقية مشهدين انتخابيين كشفا عن وجه جديد ومقلق للاستبداد، يجد جذوره في نماذج حكم باتت مألوفة في المنطقة، وعلى رأسها النموذج المصري. فبين فوز رئيس الكاميرون بول بيا بولاية ثامنة في عمر يناهز 92 عامًا، وفوز الرئيسة التنزانية سامية صولوحو حسن بولاية ثانية بنسبة ساحقة بلغت 97.6%، يبرز نمط حكم يصفه المراقبون بـ "عدوى السيسي".
هذا النموذج يجمع بين السيطرة المطلقة على السلطة، وتأميم العملية الديمقراطية عبر سجن المنافسين ومنع ترشحهم، وإصدار نتائج انتخابية لا تعكس إرادة الشعوب، بل تعكس إرادة الحاكم الأوحد. هذا التقرير يحلل كيف يساهم هذا النموذج في نشر موجة جديدة من الاستبداد والحكم المؤبد في القارة السمراء.
تأميم الديمقراطية: نتائج ساحقة وعنف دموي
تعتبر الانتخابات في الكاميرون وتنزانيا مثالاً صارخًا على كيفية تحويل العملية الديمقراطية إلى مجرد مسرحية هزلية تهدف إلى إضفاء شرعية زائفة على الحكم المطلق.
بول بيا: نموذج الحكم المؤبد فوز بول بيا، الذي يعد أقدم رئيس في العالم، بولاية ثامنة، هو تتويج لحكم دام أكثر من أربعة عقود.
هذا الفوز، الذي يأتي في ظل تدهور اقتصادي وأمني، يرسخ فكرة أن التغيير السياسي في هذه الدول لا يتم عبر صناديق الاقتراع، بل عبر آليات تضمن بقاء الحاكم إلى الأبد، وهو ما يذكر بالتعديلات الدستورية التي مهدت الطريق لحكم السيسي حتى عام 2030 وما بعده.
سامية صولوحو حسن: النسبة الساحقة والدموية أما المشهد التنزاني، فهو أكثر دموية ووضوحًا في اتباع النموذج الاستبدادي.
فوز الرئيسة صولوحو حسن بنسبة 97.6% جاء بعد حملة قمعية واسعة شملت سجن منافسيها ومنع ترشيح بعضهم.
وقد رافقت هذه الانتخابات احتجاجات دامية أدت إلى مقتل المئات، مما يؤكد أن النسبة الساحقة لم تكن تعبيرًا عن إرادة شعبية، بل نتيجة لإقصاء ممنهج للمعارضة واستخدام القوة الغاشمة.
هذه النتائج غير الواقعية، التي تتجاوز حتى نسب الفوز في الأنظمة الشمولية التقليدية، هي السمة المميزة لـ "عدوى السيسي" التي تهدف إلى محو أي وجود للمعارضة.
السيسي: القائد الملهم للاستبداد الجديد
يرى المراقبون أن النموذج المصري، الذي بدأ بتعديلات دستورية تضمن بقاء الحاكم لفترات طويلة، مرورًا بالسيطرة الكاملة على الإعلام والفضاء العام، وصولاً إلى التعامل الأمني مع أي معارضة، قد أصبح "وصفة" جاهزة للتطبيق في دول أفريقية أخرى.
ملامح "عدوى السيسي":
- الشرعنة الدستورية للاستبداد: استخدام الدستور والقوانين لتمديد فترات الحكم وإلغاء القيود الزمنية، مما يضمن الحكم المؤبد.
- تصفير المعارضة: إقصاء المنافسين الرئيسيين عبر السجن أو المنع من الترشح، لضمان نتائج انتخابية "ساحقة" تفتقر إلى المصداقية.
- الإنفاق على الصورة: التركيز على المشاريع العملاقة وتحسين الصورة الدولية كبديل عن التنمية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.
هذا النموذج يهدد بتقويض أي جهود دولية أو إقليمية لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في أفريقيا، ويقدم مبررًا للحكام للبقاء في السلطة إلى الأبد، تحت ستار "الاستقرار" و"الشرعية الانتخابية".
وفي النهاية فالمشاهد الانتخابية في الكاميرون وتنزانيا ليست حوادث معزولة، بل هي مؤشرات على أن "عدوى السيسي" تنتشر في القارة الأفريقية، مهددة بتحويل الديمقراطية إلى مجرد شعار أجوف.
إن فوز الرؤساء بنسب تقترب من الكمال المطلق، في ظل سجن المنافسين وقمع الاحتجاجات، يؤكد أن أفريقيا تتجه نحو وجه جديد من الاستبداد، حيث يتم تزييف الإرادة الشعبية ببراعة، ويصبح الحكم المؤبد هو القاعدة. وما لم يتم الضغط الدولي والإقليمي لوقف هذا الانحدار، فإن القارة ستشهد المزيد من هذه النماذج التي تضع مصالح الحاكم فوق مصالح الشعوب.

