في موجة سياسية تاريخية تمتد من نيويورك إلى فرجينيا، وبعد ساعات من فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، جاء إنجاز آخر ليعزز الحضور المتنامي للمسلمين في المشهد السياسي الأمريكي. حققت غزالة هاشمي، عضوة مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، فوزًا ساحقًا بمنصب نائبة حاكم ولاية فرجينيا، لتصبح بذلك أول امرأة مسلمة في تاريخ الولايات المتحدة تتولى منصبًا قياديًا على مستوى الولاية بأكملها. هذان الانتصاران المتتاليان لا يمثلان مجرد نجاحات انتخابية فردية، بل يشيران إلى تحول أعمق في السياسة الأمريكية، حيث يثبت المسلمون الأمريكيون قدرتهم على كسر الحواجز والوصول إلى أعلى المناصب، مقدمين رسالة قوية حول قوة التنوع في مواجهة خطابات الإقصاء.
هذا الانتصار لا يمثل مجرد نجاح انتخابي، بل يرسخ مكانة هاشمي كأول امرأة مسلمة في تاريخ الولايات المتحدة تفوز بمنصب على مستوى الولاية بأكملها. يأتي هذا الفوز في وقت تتزايد فيه أهمية تمثيل الأقليات في المناصب القيادية، ويُعد بمثابة رسالة قوية حول قوة التنوع وقدرة المهاجرين على الوصول إلى أعلى مراتب السلطة، متحدية بذلك الخطابات السياسية التي سعت لتهميشهم. إن مسيرة غزالة هاشمي، من طفلة مهاجرة إلى ثاني أرفع منصب في فرجينيا، تجسد قصة نجاح ملهمة وتفتح الباب أمام جيل جديد من القادة السياسيين.
معركة انتخابية حاسمة
خاضت غزالة هاشمي حملة انتخابية شرسة حافظت فيها على تقدمها في استطلاعات الرأي رغم احتدام المنافسة في الأيام الأخيرة. وتمكنت في النهاية من حسم السباق لصالحها متغلبة على منافسها الجمهوري جون ريد، وهو مقدم برامج حوارية معروف بتوجهاته المحافظة. ويحظى منصب نائب الحاكم في فرجينيا بأهمية استراتيجية فريدة، حيث يُنتخب بشكل منفصل عن الحاكم، ويُنظر إليه كمنصة انطلاق رئيسية للترشح لمنصب الحاكم في الدورة التالية، خاصة وأن دستور الولاية يمنع الحكام من تولي المنصب لولايتين متتاليتين. هذا الفوز يضع هاشمي في موقع قوي لتصبح في المستقبل حاكمة للولاية، مما يعزز من الأهمية التاريخية لإنجازها.
مسيرة حافلة بالإنجازات الأولى
لم يكن فوز هاشمي بمنصب نائبة الحاكم هو إنجازها التاريخي الأول. ففي عام 2019، دخلت التاريخ بالفعل عندما أصبحت أول امرأة مسلمة وأول أمريكية من أصل هندي تُنتخب لعضوية مجلس شيوخ فرجينيا.
في تلك الانتخابات، أطاحت بنائب جمهوري كان يشغل المقعد لفترة طويلة، وساهم فوزها بشكل حاسم في تحويل أغلبية مجلس الشيوخ إلى صالح الحزب الديمقراطي لأول مرة منذ سنوات.
أما طريقها لمنصب نائبة الحاكم، فقد بدأ في يونيو الماضي عندما فازت بترشيح الحزب الديمقراطي بعد تغلبها على خمسة منافسين في الانتخابات التمهيدية، محققة نسبة 28% من الأصوات. وقد خاضت حملتها الانتخابية ضمن قائمة ديمقراطية موحدة إلى جانب المرشحة لمنصب الحاكم أبيغيل سبانبرغر، ومرشح منصب النائب العام جاي جونز.
تجاهل الهجمات ومواجهة الجدل
تميزت حملة غزالة هاشمي بالتركيز على القضايا وتجنب الانجرار إلى المهاترات السياسية. فقد تجاهلت بشكل كامل الهجمات التي شنها خصمها الجمهوري، الذي اتهمها مرارًا بالتهرب من إجراء مناظرات مباشرة.
ووصل الأمر بريد إلى تنظيم مناظرة في شهر أكتوبر مع نموذج ذكاء اصطناعي يمثلها، في واقعة غريبة أثارت جدلًا واسعًا وسخرية في الأوساط الإعلامية.
لكن استراتيجية هاشمي أثبتت نجاحها، حيث فضلت التواصل المباشر مع الناخبين والتركيز على برنامجها الانتخابي، مما أكسبها احترامًا واسعًا وأظهر نضجًا سياسيًا كبيرًا.
من الهجرة إلى رمز سياسي
وُلدت غزالة هاشمي في الهند عام 1968، وهاجرت مع أسرتها إلى الولايات المتحدة وهي في الخامسة من عمرها. نشأت وهي تشعر بالانتماء لقضايا الأقليات وحقوق المهاجرين، وهو ما شكل دافعها الأساسي لدخول عالم السياسة. وقد أكدت في تصريحات سابقة أن قرارها بالترشح للمناصب العامة تأثر بشكل مباشر بالسياسات التي استهدفت المهاجرين والمسلمين، خاصة حظر السفر الذي فرضته إدارة الرئيس دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى.
اليوم، لا تمثل غزالة هاشمي مجرد سياسية ناجحة، بل أصبحت رمزًا حيًا للتنوع الذي يثري المشهد السياسي الأمريكي، ودليلًا على أن الأبواب أصبحت مفتوحة بشكل متزايد أمام المسلمين والنساء والمنحدرين من أصول مهاجرة للوصول إلى مواقع صنع القرار.

