وصفت سالي إبراهيم، وهي إحدى سكان قطاع غزة، انهيار شبكة المواصلات إلى مستوى غير مسبوق بعدما دمّرت الحرب أغلب الطرق وعطّلت معظم المركبات.

 

ويصف مقالها الذي نشرته شبطة العربي الجديد تراجع حركة السير في غزة إلى مشهد يشبه عقودًا طويلة مضت؛ عربات خشبية تجرّها خيول مرهقة، وتكاتك متهالكة، ودراجات نارية تشقّ طرقًا مليئة بالركام. ويعود السبب إلى شحّ الوقود وغلاء الأسعار وتحوّل آلاف المركبات إلى حطام. وتشير تقديرات محلية إلى تضرّر ما بين 25 و32 ألف مركبة، مقارنة بنحو 88 ألف مركبة مرخّصة قبل الحرب.

 

كانت شوارع غزة، قبل الحرب، تعمل رغم الازدحام. أحصى الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة النقل عام 2023 نحو 88 ألف مركبة مرخّصة في القطاع، أي ما يقارب 19 بالمئة من إجمالي مركبات فلسطين، وكان ما يقرب من 80 ألف سيارة يملأ الشوارع يوميًا. اليوم تتناثر المركبات المتعطلة في الطرق، وتغيب السيارات، ويحلّ مكانها بدائل بالغة الهشاشة تعكس حجم الانهيار.

 

رحلة العمل التي تتحول إلى يوم كامل

 

يقف محمد عبد الباسط، 35 عامًا، عند تقاطع مدمّر في غزة، منتظرًا وسيلة تنقّل تأخذه إلى عمله. يصف كيف يستيقظ أبكر من أي وقت سابق ليحاول تجاوز الطوابير، لكن المشهد ثابت: الناس مصطفّون، تكاتك مكسورة، وعربات خشبية تتمايل تحت وقع الطريق المحفورة. يقول: "نعاني بشدّة من أزمة المواصلات… لا كلمات تصف حياتنا. الأسعار جنونية، ولا أمان. قد تنتظر ساعات لوسيلة قد لا تصل، وأحيانًا تغيّر الطريق كله". ويؤكد أن رحلة كانت تستهلك عشر دقائق، قد تمتد الآن ليوم كامل.

 

يتبادل السكان شعورًا عامًا بانعدام الأمان. يضيف عبد الباسط: "الوسائل الحالية لا تحمل أي قدر من الراحة أو الطمأنينة. التكاتك والعربات لم تُصمَّم لطرقات مليئة بالحفر والركام. تشعر في أي لحظة بأنك ستسقط. تفكر فقط في النجاة".

 

ويتحدث عماد الأشّي عن تبدّل حياته بالكامل بفعل الأزمة: "أستيقظ قبل الفجر لألحق بأي وسيلة. العمل صار حربًا يومية. أحيانًا أتأخر أو أعجز عن الوصول. حياتنا تُدفع إلى الوراء… كل شيء مرهق، ولا مخرج".

 

وفي سوق الزاوية، تحمل أم إبراهيم الجَرّو خضروات فوق كتفها، متقدّمة بخطى متعبة وسط الحر والأنقاض. تروي كيف أصبح المشي الخيار الوحيد لكثيرين: "المواصلات شبه مستحيلة. الأسعار ارتفعت، والناس لا تجد ما تأكله، فكيف تدفع أجرة؟ نمشي ساعات تحت الشمس فوق طرق محطمة". تصف رحلتها حين زارت ابنتها المريضة: "مشيت أكثر من ساعة فوق الركام ومعي أكياس ثقيلة. وصلت منهكة بالكاد أقف".

 

الوقود الأغلى والمدينة التي تنهار

 

يشكو السائق المحلي سامي الحرازين من أن الحياة باتت مستحيلة: "سعر لتر الديزل وصل 35 دولارًا. كيف نعمل؟ المركبات تحتاج وقودًا، ونحن نحتاج أن نطعم عائلاتنا"

 

يوضح أن السائقين لجأوا إلى استخدام ديزل صناعي يتلف المحركات، وأن أسعار قطع الغيار قفزت بشكل كارثي: "قطعة كانت تكلف 35 دولارًا أصبحت 1000 دولار".

 

ويصف الطرق بأنها "مليئة بالركام والحفر والمركبات المتروكة"، بينما تعجز البلديات عن إصلاح أي شيء. يؤكد: "نعيش خوف الحوادث عند كل منعطف. الناس غاضبة، المحركات تتعطل، وكل يوم أصعب من اللي قبله".

 

تستخدم عائلات كثيرة العربات الحيوانية كوسيلة أساسية للتنقل. تروي مريم الصادق رحلتها اليومية: "الطرق مخيفة. نهتز فوق الحفر والركام. نركب وسيلة تعيدنا عشرات السنين إلى الوراء. نتمنى فقط يومًا يعود فيه شيء من الكرامة".

 

ينتهي المشهد عند خلاصة مؤلمة: الحرب دمّرت منظومة النقل في غزة بالكامل تقريبًا. تنتشر العربات التقليدية والتكاتك القديمة كرموز لانهيار بنية تمتد تأثيراته على نحو مليوني إنسان يعيشون الآن في دائرة تنقّل قاسية، لا تمنحهم إلا مزيدًا من الإرهاق وفقدان الكرامة.

 

https://www.newarab.com/news/how-palestinians-gaza-navigate-devastated-roads