في تطور لافت يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي، كشفت تقارير صحفية أمريكية، وعلى رأسها صحيفة "وول ستريت جورنال" وموقع "أكسيوس"، عن ملامح خطة شاملة أعدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة في أوكرانيا.

 

الخطة، التي تتكون من 28 بنداً دقيقاً، لا تمثل مجرد مقترح للتفاوض، بل توصف بأنها "صفقة أمر واقع" تسعى واشنطن لفرضها على الأطراف المتحاربة، مستلهمة في ذلك الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارة الأمريكية مؤخراً للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

 

هذه التسريبات أثارت موجة من الجدل والمخاوف في الأوساط الأوروبية والأوكرانية، نظراً لما تتضمنه من تنازلات مؤلمة وتغييرات جذرية في بنية الأمن الأوروبي.

 

استراتيجية "الفرض": استنساخ تجربة غزة

 

تشير التقارير إلى أن "الهندسة الدبلوماسية" لهذه الخطة تعتمد بشكل مباشر على النهج الذي اتبعته إدارة ترامب في تعاملها مع ملف غزة في أكتوبر 2025. فبدلاً من رعاية مفاوضات مفتوحة وطويلة الأمد بين الأطراف المتنازعة، قامت واشنطن بصياغة مسودة تفصيلية وشاملة "من الألف إلى الياء"، ثم وضعتها على الطاولة كحزمة واحدة للضغط على الأطراف لقبولها.

 

وبحسب المسؤولين الأمريكيين، فإن هذا "النموذج الغزي" في التفاوض أثبت فاعليته في نظر الإدارة الحالية، حيث يهدف إلى تجاوز العراقيل الدبلوماسية التقليدية وفرض حلول جاهزة، وهو ما يتم تطبيقه الآن حرفياً على الملف الأوكراني عبر وثيقة الـ 28 بنداً التي صيغت في غرف مغلقة.

 

بنود الإذعان: الأرض وتقليص الجيش

 

تتضمن التفاصيل المسربة بنوداً قد توصف بالكارثية بالنسبة لكييف، حيث تركز الخطة بشكل أساسي على تجميد الوضع الراهن والاعتراف الضمني بالسيطرة الروسية على الأراضي التي احتلتها. الأخطر من ذلك هو الشق العسكري في الخطة، الذي ينص صراحة على ضرورة تقليص حجم الجيش الأوكراني إلى النصف تقريباً، مما يجعله قوة دفاعية محدودة القدرات. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الخطة حظراً صارماً على تزويد أوكرانيا بأسلحة غربية نوعية بعيدة المدى، وتمنع نشر أي قوات حفظ سلام أجنبية على الأراضي الأوكرانية، وهو ما يعني عملياً ترك أوكرانيا في منطقة رمادية أمنية دون ضمانات دولية ملموسة على الأرض، تلبية للمخاوف الأمنية الروسية.

 

الدبلوماسية السرية: عزل كييف ومحادثات الكواليس

 

ما يثير الريبة في هذه التحركات هو الطبيعة السرية للمحادثات التي أنتجت هذه الخطة. فقد أكدت المصادر أن صياغة البنود تمت عبر قنوات خلفية بين مبعوث ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، والمبعوث الروسي كيريل ديميترييف، في حين تم تهميش الجانب الأوكراني بشكل شبه كامل خلال مراحل الإعداد. المعلومات تشير إلى أن كييف لم تطلع على التفاصيل الدقيقة للخطة إلا بصيغة "الخطوط العريضة"، ولم تُدعَ للمشاركة في صياغتها، مما يعزز الشعور بأن القوى الكبرى تعيد رسم الخرائط وتقسيم النفوذ فوق رؤوس أصحاب الشأن. هذا التنسيق الأمريكي-الروسي المباشر يعكس تحولاً جذرياً في عقيدة واشنطن، من دعم أوكرانيا "مهما طال الأمر" إلى البحث عن مخرج سريع يضمن مصالح القوى العظمى.

 

مستقبل غامض للأمن الأوروبي

 

تمثل هذه الخطة الأمريكية الجديدة نقطة تحول خطيرة في مسار الحرب، حيث تنقل الصراع من ساحة المعركة إلى طاولات المساومات الكبرى. فبينما تسعى واشنطن لتسجيل نصر دبلوماسي سريع على غرار ما تدعي تحقيقه في غزة، فإن الثمن قد يكون باهظاً على حساب سيادة أوكرانيا وتماسك المعسكر الأوروبي. إن فرض تسوية تتضمن نزع سلاح جزئي وتنازلات إقليمية تحت ضغط القوة العظمى يرسخ سابقة دولية خطيرة، مفادها أن الحدود والسيادة قابلة للتفاوض متى ما توافقت مصالح الكبار، واضعاً بذلك النظام العالمي القائم على القواعد في مهب الر