حرضت وزيرة الاستيطان في حكومة الاحتلال الإسرائيلي أوريت ستروك ضد وجود القنصليتين التركية والفرنسية بمدينة القدس المحتلة، زاعمة أنهما "تنتهكان سيادة إسرائيل"، وطالبت بمنع أي دور تركي في غزة، في تصريحات تكشف غطرسة الاحتلال وهوسه باحتكار الجريمة دون أي رقابة دولية.

 

في جولة استفزازية نظمتها ستروك مع نواب يمينيين متطرفين في القدس المحتلة، شنت هجوماً عنيفاً على القنصليات الأجنبية التي تقدم خدمات للفلسطينيين، مطالبة بإغلاقها أو تقليص نشاطاتها. وقالت ستروك: "لا ينبغي السماح للأتراك بالقيام ولو بدور بسيط جداً في غزة.. والقنصلية التركية في القدس تنتهك سيادة إسرائيل وتدعم الفلسطينيين".

 

غطرسة الاحتلال.. "سيادة إسرائيل" على أرض محتلة

 

الادعاء الإسرائيلي بـ"انتهاك السيادة" في القدس المحتلة يكشف مدى الغطرسة والاستعلاء التي يتعامل بها الاحتلال مع القانون الدولي. القدس الشرقية أرض محتلة بموجب القانون الدولي والقرارات الأممية، ولا سيادة شرعية لإسرائيل عليها، لكن المتطرفين في حكومة نتنياهو يتصرفون وكأن احتلالهم العسكري يمنحهم حق السيطرة المطلقة.

 

وقالت ستروك خلال الجولة: "لا يجوز أن يعمل هنا من يقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس". هذا التصريح يكشف أن المشكلة ليست في "انتهاك السيادة"، بل في رفض إسرائيل لأي اعتراف دولي بالسلطة الفلسطينية أو حقوق الشعب الفلسطيني.

 

استهداف تركيا.. خوف من الدور الداعم للفلسطينيين

 

التحريض الإسرائيلي ضد تركيا لا يقتصر على القنصلية في القدس، بل يمتد إلى رفض أي دور تركي في غزة ضمن القوة الدولية المقترحة لتثبيت وقف إطلاق النار. ستروك حذرت من "الدور التركي في غزة" ووصفته بأنه "خطر على إسرائيل"، في إشارة واضحة إلى خوف الاحتلال من أي رقابة دولية حقيقية على جرائمه.

 

تركيا، التي استضافت اجتماعاً وزارياً في إسطنبول في 3 نوفمبر 2025 لتقييم آخر التطورات في غزة، أكدت أن قوة الاستقرار الدولية في غزة يجب أن تضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار وتقدم ضمانات حقيقية لحماية المدنيين الفلسطينيين. هذا الموقف التركي الداعم للفلسطينيين هو ما يثير رعب المتطرفين الإسرائيليين الذين يريدون احتكار الجريمة دون أي رقابة.

 

القنصلية التركية.. شوكة في حلق الاحتلال

 

القنصلية التركية في القدس تقدم خدمات قنصلية للفلسطينيين وتحافظ على علاقات مع السلطة الفلسطينية، وهو ما يعتبره الاحتلال "دعماً للفلسطينيين" و"انتهاكاً للسيادة". المفارقة أن إسرائيل تعترف رسمياً بالسلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، لكن المتطرفين في الحكومة الحالية يرفضون حتى وجود علاقات قنصلية طبيعية معها.

 

القنصلية الفرنسية أيضاً تعرضت للتحريض ذاته، حيث اتهمتها ستروك بـ"انتهاك السيادة الإسرائيلية" لمجرد تقديمها خدمات قنصلية للفلسطينيين. هذا يكشف أن المشكلة ليست في تركيا أو فرنسا تحديداً، بل في رفض إسرائيل لأي وجود دولي يعترف بالحقوق الفلسطينية أو يقدم خدمات للشعب الفلسطيني.

 

من هي أوريت ستروك؟

 

أوريت ستروك هي وزيرة الاستيطان في حكومة نتنياهو الحالية، وهي من أشد المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية. وقد فُرضت عليها عقوبات بريطانية في يونيو 2025، إلى جانب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بسبب تحريضها على "العنف المتطرف ضد الفلسطينيين" في الضفة الغربية.

 

ستروك وبن غفير معروفان بدعمهما اللامحدود للمستوطنين المتطرفين الذين يشنون هجمات يومية على الفلسطينيين في الضفة الغربية دون رادع. السفير الأمريكي مايك هاكابي نفسه اتُهم في يونيو 2025 بأنه "تحول إلى متحدث باسم سموتريتش وستروك"، في إشارة إلى انحيازه التام للمتطرفين الإسرائيليين.

 

هوس باحتكار الجريمة

 

التصريحات الإسرائيلية المتطرفة تكشف هوساً حقيقياً باحتكار الجريمة دون أي رقابة دولية. إسرائيل لا تريد أي وجود دولي حقيقي في غزة أو القدس، لأن ذلك سيفضح جرائمها ويحد من حريتها في ممارسة الإبادة والتطهير العرقي.

 

الهجوم على القنصليات الأجنبية ليس إلا محاولة لعزل الفلسطينيين عن أي دعم دولي، وإجبار العالم على القبول بالاحتلال كأمر واقع لا يجوز التعامل معه بأي شكل إلا من خلال الاعتراف بـ"السيادة الإسرائيلية" على الأراضي المحتلة.

 

الصمت العربي المخزي

 

بينما تحرض وزيرة إسرائيلية متطرفة ضد تركيا وتطالب بمنعها من أي دور في غزة، تصمت الأنظمة العربية صمتاً مخزياً. لا صوت عربياً رسمياً يدافع عن الدور التركي، ولا موقفاً يدين التحريض الإسرائيلي ضد القنصليات الأجنبية في القدس.

 

بعض الأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل ربما تشارك إسرائيل قلقها من الدور التركي الداعم للفلسطينيين، بينما تنشغل أنظمة أخرى بقمع شعوبها وتجاهل القضية الفلسطينية. هذا الصمت العربي هو ما يشجع المتطرفين الإسرائيليين على التمادي في غطرستهم وجرائمهم.

 

رسالة واضحة من الاحتلال

 

تصريحات أوريت ستروك تحمل رسالة واضحة: إسرائيل تريد احتكار السيطرة المطلقة على القدس وغزة، دون أي رقابة دولية أو وجود لقوى تدعم الفلسطينيين. الاحتلال يريد أن يمارس جرائمه بحرية تامة، وأن يفرض سيادته على الأراضي المحتلة، وأن يمنع أي دولة من تقديم الدعم للشعب الفلسطيني.

 

لكن هذه الغطرسة لن تستمر إلى الأبد. العالم يتغير، والرأي العام الدولي يتحول ضد الاحتلال، والدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل بدأ يتصدع. تصريحات المتطرفين الإسرائيليين اليوم ستكون وثيقة إدانة لهم غداً أمام التاريخ والقانون الدولي.