تشهد منطقة البحر الكاريبي تصعيداً عسكرياً غير مسبوق ينذر بانفجار الوضع في أي لحظة، مع وصول حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة "جيرالد آر فورد" ومجموعتها القتالية إلى سواحل فنزويلا، في خطوة تتجاوز بكثير شعارات "مكافحة المخدرات" التي ترفعها إدارة الرئيس دونالد ترامب. هذا التحشيد العسكري الضخم، المتزامن مع تحذيرات هيئة الطيران الفيدرالية وتعليق الرحلات الجوية، يؤشر بوضوح إلى أن واشنطن قد تكون بصدد الانتقال من مرحلة "الخنق الاقتصادي" إلى مرحلة "العمل العسكري المباشر" لإسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو، في مغامرة قد تشعل المنطقة بأسرها.

 

الحشود العسكرية: "الرمح الجنوبي" يستهدف كاراكاس

 

تحت غطاء عملية "الرمح الجنوبي" (Southern Spear)، حشدت واشنطن قوة نارية هائلة في الكاريبي تعد الأكبر منذ عقود.

 

ترسانة حربية: القوة الأمريكية تضم حاملة الطائرات الأحدث في العالم "جيرالد فورد"، وغواصة نووية، ومدمرات صواريخ، وأسراباً من مقاتلات F-35، بالإضافة إلى نحو 15 ألف جندي، وهو عتاد يفوق بمراحل ما تتطلبه أي عملية لمكافحة تهريب المخدرات.

 

اشتباكات تمهيدية: لم يعد الأمر مجرد استعراض للقوة، بل تحول إلى مواجهات دموية، حيث نفذت القوات الأمريكية منذ سبتمبر الماضي أكثر من 21 غارة على قوارب في المياه الدولية بدعوى نقلها للمخدرات، ما أسفر عن مقتل 83 شخصاً، في عمليات وصفتها منظمات حقوقية بأنها "إعدامات خارج نطاق القانون".

 

الحرب الجوية: عزل فنزويلا عن العالم

 

بدأت ملامح الحصار الجوي تتضح مع تحذيرات هيئة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) للطائرات المدنية من "مخاطر نشاط عسكري متزايد" في الأجواء الفنزويلية، وهو إجراء اعتبرته خبيرة الطيران ماري شيافو "إشارة معتادة تسبق النزاعات العسكرية".

 

شلل حركة الطيران: استجابت شركات طيران عالمية فوراً للتحذير، حيث ألغت شركات كبرى مثل "إيبيريا" الإسبانية و"لاتام" التشيلية و"أفيانكا" الكولومبية رحلاتها، ما يفرض عزلة فعلية على فنزويلا ويزيد من خنق اقتصادها المنهك أصلاً.

 

الاستثناءات: رغم الحظر، تواصل بعض الشركات مثل "الخطوط التركية" و"كوبا" البنمية تسيير رحلاتها، مما يعكس الانقسام الدولي حول الانصياع للضغوط الأمريكية.

 

الرد الفنزويلي: "تعبئة شاملة" ودفاع عن السيادة

 

في المقابل، لم يقف نظام مادورو مكتوف الأيدي، معتبراً التحركات الأمريكية "فبركة حرب" وذريعة لغزو البلاد والسيطرة على ثرواتها النفطية.

 

النفير العام: أعلنت كاراكاس "تعبئة عسكرية ضخمة" شملت نشر قوات الجيش والأسلحة الثقيلة على السواحل، متوعدة بمقاومة شرسة لأي محاولة اختراق لسيادتها.

 

الدبلوماسية تحت النار: رغم التصعيد، أبقى مادورو الباب موارباً للدبلوماسية، مبدياً استعداده للتفاوض، لكنه أكد أن بلاده لن تركع للإملاءات الأمريكية، مستنداً إلى دعم حلفاء دوليين مثل روسيا والصين وإيران الذين يرون في التحرك الأمريكي تهديداً لمصالحهم أيضاً.

 

حرب سرية وتمهيد استخباراتي

 

تشير تسريبات صحفية إلى أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا لتهيئة الأجواء لأي عمل عسكري محتمل، تتضمن تخريب البنية التحتية وشراء ولاءات داخل الجيش الفنزويلي، في محاولة لتكرار سيناريوهات الانقلابات التي رعتها واشنطن سابقاً في أمريكا اللاتينية.

 

سيناريوهات مفتوحة على المجهول

 

تبدو الأزمة الفنزويلية اليوم أقرب ما تكون إلى نقطة اللاعودة. فالحشود العسكرية الضخمة، والعمليات السرية، والحصار الجوي، كلها مؤشرات على أن واشنطن قد اتخذت قراراً استراتيجياً بإنهاء حكم مادورو مهما كلف الثمن. لكن في ظل تماسك الجيش الفنزويلي حتى الآن والدعم الدولي الذي يحظى به النظام، فإن أي مغامرة عسكرية أمريكية قد تتحول إلى مستنقع طويل الأمد، يعيد رسم خريطة النفوذ في نصف الكرة الغربي بالدم والنار.