في خطوة تؤكد أن نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي لا يرى في مصر سوى "صفقة عقارية"، كشفت تقارير رسمية عن نية حكومة مصطفى مدبولي طرح فرص استثمارية ضخمة في قلب القاهرة التاريخية ومربع الوزارات القديم أمام مستثمرين خليجيين وأجانب، تحت شعار "التطوير".
هذا المخطط الذي يقوده "صندوق مصر السيادي" ليس إلا حلقة جديدة في مسلسل التفريط في الأصول الاستراتيجية والتراثية للدولة، حيث يتم تحويل المباني التي شهدت تاريخ مصر الحديث إلى مجرد "مولات وفنادق" تخدم نخبة الأثرياء، بينما يتم طمس الهوية الوطنية وتهجير السكان الأصليين لصالح "رأس المال الأجنبي" الذي بات يتحكم في مفاصل العاصمة.
مزاد علني على "تاريخ مصر": من الوزارات إلى الحواري
لم تكتفِ السلطة ببيع الأراضي الصحراوية، بل امتدت يدها إلى "اللحم الحي" للمدينة العتيقة.
مربع الوزارات للبيع: بعد إفراغ وسط البلد من الوزارات ونقلها للعاصمة الإدارية، وبدلاً من تحويل هذه المباني التاريخية إلى متاحف أو مراكز ثقافية تليق بعراقتها، قررت الحكومة طرحها "لأعلى سعر" لتحويلها إلى فنادق بوتيك ومراكز تجارية، في عملية "تسليع" فجة لتاريخ الإدارة المصرية.
القاهرة الإسلامية في خطر: المخطط يشمل طرح مناطق في الدرب الأحمر والجمالية والفسطاط، حيث يتم الترويج لمشروعات "سياحية وترفيهية" تهدد النسيج الاجتماعي والعمراني لهذه المناطق، وتحولها إلى "ديكور" سياحي خالٍ من الروح ومن سكانه الأصليين الذين يواجهون شبح الإخلاء القسري.
"دبيزة" القاهرة: حلم العبار وكابوس المصريين
يبرز اسم رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار كأحد اللاعبين الرئيسيين في هذا المخطط، حيث صرح علانية برغبته في تحويل وسط البلد إلى "داون تاون" جديد على غرار دبي.
طمس الهوية: يرى خبراء التخطيط أن رؤية العبار وشركائه تعتمد على "استنساخ" نماذج استهلاكية غريبة عن طبيعة القاهرة الخديوية، مما يهدد بتحويل شوارعها العريقة إلى مجرد ممرات للمتسوقين الأثرياء، وتفريغها من قيمتها الثقافية والتاريخية الفريدة.
هيمنة إماراتية: العروض الخليجية "المنهمرة" على الصندوق السيادي تكشف عن رغبة محمومة للاستحواذ على أصول وسط البلد التي لا تقدر بثمن، مستغلين الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي صنعها النظام، ليتحول المستثمر الخليجي إلى "المالك الفعلي" لقلب العاصمة.
الصندوق السيادي: "سمسار" بيع الأصول
يلعب "صندوق مصر السيادي" دور "المحلل" لهذه الصفقات، حيث يتم نقل ملكية الأصول العامة إليه بقرارات جمهورية، ليقوم هو ببيعها أو تأجيرها للمستثمرين بعيداً عن أي رقابة برلمانية أو شعبية.
غموض وصفقات سرية: تدار عملية الطرح في غرف مغلقة، وتغيب الشفافية عن شروط التعاقد ومدد حق الانتفاع، مما يثير مخاوف مشروعة من بيع أصول لا يمكن تعويضها بأسعار بخسة لسد عجز الموازنة وسداد فوائد الديون.
فشل سابق: رغم الوعود البراقة، تعثرت مشاريع سابقة مثل تطوير "مجمع التحرير" الذي فاز به تحالف أمريكي-إماراتي، مما يضع علامات استفهام كبرى حول جدية هذه المشروعات وقدرة الحكومة على إدارتها بما يحفظ حقوق الدولة.
عندما يصبح الوطن "سلعة"
إن ما يحدث في القاهرة التاريخية ووسط البلد ليس تطويراً، بل هو عملية "إحلال وتبديل" للهوية والسكان. نظام الانقلاب يبيع "ذاكرة مصر" في المزاد العلني لمن يدفع بالدولار، محولاً العاصمة التي كانت "باريس الشرق" إلى "متجر كبير" لا مكان فيه للفقراء أو للتاريخ. إنها جريمة في حق الأجيال القادمة التي ستجد نفسها غريبة في مدينتها، التي بيعت أرصفتها ومبانيها وتاريخها في "سوق النخاسة" السياسي.

