في حادثة جديدة تعيد للأذهان مسلسل الرعب الذي يعيشه أطفال مصر، استيقظت منطقة التجمع الخامس على كارثة أخلاقية هزت أرجاء المجتمع، حيث اتُهم سائق أتوبيس بمدرسة "قايتباي" الدولية بالاعتداء الجنسي على طفلة في مرحلة رياض الأطفال.

 

هذه الجريمة البشعة ليست مجرد حادث فردي، بل هي "حكم بالإعدام" على أمان آلاف الأسر التي تدفع "دم قلبها" في مدارس خاصة، ظناً منها أنها تشتري الأمان لأبنائها، لتكتشف في النهاية أنها تدفعهم إلى أوكار للذئاب البشرية، تحت سمع وبصر حكومة تخلت عن دورها الرقابي وتفرغت لجمع الجباية.

 

التفاصيل المرعبة: بلالين وحلوى لاستدراج البراءة

 

بدأت المأساة عندما لاحظت والدة الطفلة (في مرحلة KG) عودة ابنتها للمنزل محملة بهدايا (بلالين وحلوى) بشكل متكرر، وعند سؤالها ببراءة الأطفال، أجابت بأن "عمو السواق" هو من يعطيها إياها. هذا السلوك المريب، المصحوب بتغيرات نفسية وجسدية على الطفلة، دفع الأم للتوجه للمدرسة بصحبة الشرطة، لتكتشف الكارثة: ابنتها تعرضت لاعتداء جنسي مثبت بتقرير طبي مبدئي، وفقاً لشهادات أولياء الأمور.

 

المدرسة، في محاولة مفضوحة لغسل يدها من الجريمة، سارعت بفصل السائق السبعيني فوراً دون تحقيق داخلي شفاف، في خطوة فسرها الأهالي بأنها محاولة لطمس الحقائق وإسكات الغضب، بدلاً من مواجهة الكارثة بشجاعة.

 

الرقابة الغائبة: مدارس تدار بمنطق "التكية"

 

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: أين كانت المشرفة المسؤولة عن الباص؟ وكيف يُترك سائق بمفرده مع أطفال في عمر الزهور؟ الواقع يؤكد أن المدارس الخاصة في مصر، رغم المصاريف الفلكية، تدار بمنطق "السبوبة". المشرفات غير مؤهلات، والسائقون يتم تعيينهم دون فيش وتشبيه حقيقي أو اختبارات نفسية، والرقابة الحكومية غائبة تماماً إلا عند تحصيل الضرائب.

 

وزارة التربية والتعليم التي تفرغت لمطاردة المعلمين في "السناتر" وخصم حوافزهم، تركت المدارس الدولية "دولة داخل الدولة"، لا حسيب فيها ولا رقيب، حتى أصبح أطفالنا فريسة سهلة لكل منحرف ومريض نفسي يعمل تحت مظلتها.

 

دفاع السائق وتناقض الروايات: هل هي "شماعة"؟

 

في المقابل، خرجت أصوات تدافع عن السائق، مدعية أنه كان يوزع "شوكولاتة" احتفالاً بحفيده، وأن الاتهام كيدي. هذا التناقض في الروايات، بين اعتداء مثبت طبياً (حسب الأهالي) وبين دفاع يستند لحسن السير والسلوك، يكشف عن فوضى التحقيقات وغياب الشفافية. لكن في كل الأحوال، مجرد وجود شبهة، ومجرد انفراد سائق بطفلة، هو جريمة إدارية وأخلاقية تتحمل مسؤوليتها إدارة المدرسة والوزارة معاً.

 

دولة "رد الفعل".. متى تتحرك الحكومة؟

 

كعادتها، لا تتحرك حكومة الانقلاب إلا بعد وقوع الكارثة. الآن فقط، وبعد أن انتُهكت براءة طفلة، ستخرج البيانات الوردية عن "تشديد الرقابة" و"تركيب الكاميرات". لكن أين كانت هذه الإجراءات قبل الحادث؟
النظام الذي يمتلك أجهزة أمنية تحصي أنفاس المواطنين على "فيسبوك"، يعجز عن مراقبة أتوبيسات المدارس! إنه فشل ذريع يكشف أولويات هذه السلطة: أمن الكرسي أهم من أمن الطفل، وسمعة المدرسة "الاستثمارية" أهم من شرف الطالبات.

 

الخلاصة: أطفالنا في خطر

 

ما حدث في مدرسة "قايتباي" هو جرس إنذار أخير. إذا لم يتم تطهير المدارس من العناصر غير المؤهلة، وإذا لم تُفرض رقابة صارمة على كل من يتعامل مع الأطفال، فإننا سنكون أمام "تسونامي" من الجرائم الأخلاقية. الحكومة التي تفشل في حماية طفلة في "باص مدرسة"، هي حكومة فاقدة للأهلية والشرعية، ويجب أن تُحاسب قبل السائق وقبل المدرسة، لأنها هي من هيأت البيئة الفاسدة التي يرتع فيها المجرمون بلا رادع.