مصطفى عبد السلام
رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"
قبيل وصول بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة والتي بدأت اليوم الاثنين وتستمر لمدة 11 يومًا، أطلقت الحكومة المصرية حملة تسويق وعلاقات عامة واسعة النطاق أقرب إلى "الزفة البلدي" لما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي لا يعرف الكثيرون أهم ملامحه حتى الآن في ظل خلط رسمي واضح بين الإصلاحات المالية والاقتصادية والنقدية، وحصاد بالغ المرارة لتلك الإصلاحات الشكلية والورقية والدعائية والتي لا يربطها بالواقع والمواطن سوى تصريحات وردية ووعود من هنا وهناك.
قبل أيام، خرج علينا رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بتصريحات عدة يشيد فيها بالإنجازات والنجاحات التي حققها برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومؤكدًا أن المصريين باتوا على موعد مع قطف ثمار هذا البرنامج الذي تم تطبيقه بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي منذ أكتوبر 2016 وحصلت مصر بموجبه على قروض ضخمة تجاوزت 25 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وحده.
وبالغ مدبولي في تقديم الوعود الجديدة قائلًا إن "المواطن سيبدأ في جني ثمار الإصلاحات الاقتصادية بداية من هذا العام ولمدة ثلاث سنوات، وإن هذا سينعكس إيجابيًا على ظروف المعيشة وتحسين الأجور وأحوال الطبقة المتوسطة وغير القادرين، وأن المرحلة القادمة ستشهد تحسين جودة الحياة والقدرة الاقتصادية للأسرة، ليبدأ المواطن في الشعور بما تم بذله من جهد خلال الفترة الماضية، بما يشمل خدمات الصحة والتعليم وفرص العمل وثبات أسعار الاحتياجات الأساسية للحياة".
وانتهت وعود مدبولي ولإعطاء انطباع غير حقيقي بحصول تلك الإصلاحات على غطاء شعبي وجه رئيس الحكومة، التحية والتقدير للمصريين لتحملهم فترة صعبة من الإصلاحات الاقتصادية، وتحمل عبء بناء دولة في ظل ظروف عالمية صعبة.
هذه الحملة التي قادها رئيس الحكومة الحالي مدبولي ووزراؤه ورؤساء حكومات سابقة منهم إبراهيم محلب ومعهم وسائل الإعلام المختلفة، لا تختلف كثيرًا عن الحملات والوعود السابقة للمصريين منذ العام 2014، وكانت نتيجتها أشرس موجة غلاء تمر بها البلاد في النصف قرن الأخيرة، وأسوأ معدلات فقر، وغرق الدولة في الديون، وزيادة الضغوط المالية من عجز حاد في الموازنة العامة وفجوات تمويلية وغيرها.
الملفت أن حملة الترويج تلك لبرنامج الإصلاح الاقتصادي جاءت قبل أيام قليلة من وصول بعثة صندوق النقد للقاهرة في زيارة بالغة الحساسية والتوقيت ولإجراء ثلاث مراجعات مرة واحدة، وهي البعثة التي يدرك المصريون أنه يعقبها مباشرة انطلاق موجة جديدة من التقشف والتضخم وخفض الدعم الحكومي، وبيع مزيد من أصول الدولة وثرواتها وشركاتها، وإجراء زيادات جديدة في أسعار البنزين والسولار والغاز المنزلي والقطارات ومترو الأنفاق، ورفع كلفة المعيشة بما فيها الصحة والتعليم والسكن مع تدهور القدرة الشرائية، وفرض مزيد من الرسوم والضرائب، وزيادة الأعباء المالية بشكل عام على المواطن.
لا أعرف عن أي إنجازات تتحدث الحكومة وهي تعرف أكثر من غيرها أن المصريين لم يذوقوا طعم ثمار ما تسميه بالإصلاحات الاقتصادية، وأن كل ما يعرفونه هو أنه في ظل تلك البرامج شهدت مصر أزمات اقتصادية ومعيشية عنيفة، ومؤشرات غاية في الخطورة منها انهيار الطبقة الوسطى، ومعها تهاوي قيمة العملة المحلية، الجنيه مقابل الدولار، وتآكل المدخرات الوطنية، وتفشي الغلاء، وتعمق كساد الأسواق، وحدوث زيادات قياسية في أسعار الوقود والأدوية والخدمات الأساسية من فواتير الكهرباء والمياه والمواصلات وإيجارات السكن والاتصالات، وكذا قفزات غير مسبوقة في معدلات الفقر والتضخم والدين العام سواء المحلي الذي تجاوز عشرة تريليونات جنيه، أو الخارجي الذي تجاوز 162.5 مليار دولار.
ولا ننسى أن اقتصاد مصر في ظل ما يسمي ببرامج الإصلاحات الاقتصادية بات أكثر تبعية للدائنين وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين، وأن الحكومة أدمنت سياسة الاستدانة وتدوير القروض، وتجاهلت ملفات حيوية منها التعليم والصحة والإنتاج والصادرات وغيرها، وأنه جرى إهدار واسع للمال العام، وتأسيس مشروعات كبرى لا علاقة لها بالمواطن والاقتصاد.

