لم يعد المواطن المصري في ظل حكم العسكر يخشى فقط من غلاء الأسعار أو بطش الأمن، بل أصبح عليه الآن أن يخشى من "التماسيح" التي تزاحمه في قريته! المشهد السريالي في قرية الزوامل بالشرقية، حيث تسبح التماسيح بحرية في المصارف وتخرج لـ"تتمشى" على الطرقات، ليس مجرد خبر طريف، بل هو تجسيد حي لانهيار الدولة وغيابها التام عن حماية مواطنيها. بينما تنشغل الحكومة ببناء القصور والمدن الجديدة في الصحراء للأثرياء، يُترك أهالي الريف والقرى يواجهون مصيرهم وحدهم، سواء كان هذا المصير "جوعاً" أو "غرقاً" أو حتى "افتراساً" من زواحف لا مكان لها في الدلتا إلا في ظل فوضى "الجمهورية الجديدة".
ذعر في "الزوامل": الأهالي في مواجهة المجهول
شهادات أهالي قرية الزوامل وعزب أبو طاحون وسدرة ترسم صورة مرعبة لحياة يومية تحولت إلى كابوس. "بنشوفها بتطلع على الطريق.. والأطفال مرعوبين"، هكذا يصف محمد بكر وغيره من السكان حالهم. المصرف الذي يمر بوسط الكتلة السكنية تحول من مجرى مائي ملوث (وهو كارثة في حد ذاته) إلى "مستعمرة تماسيح" تهدد حياة التلاميذ أثناء ذهابهم لمدارسهم.
أين المحليات؟ أين وزارة البيئة؟ أين أجهزة الري؟ الإجابة: في غيبوبة تامة. هذه الأجهزة لا تستيقظ إلا لتحصيل الجباية أو إزالة منازل الغلابة، أما حمايتهم من خطر داهم كهذا، فهو "رفاهية" لا تملكها الحكومة. ترك الأهالي يواجهون وحوشاً مفترسة بأيديهم العارية هو قمة الاستهتار بأرواح البشر، ودليل على أن "حياة" المواطن الريفي لا تساوي عند النظام ثمن "رصاصة" أو تكلفة حملة تطهير.
من أين جاءت الوحوش؟.. فوضى "السوق السوداء"
ظهور تماسيح بأحجام تتجاوز المتر في ترع الدلتا ليس ظاهرة طبيعية، بل هو نتاج لفوضى "الأسواق العشوائية" التي سمح بها النظام. هذه التماسيح غالباً ما تكون نتاج تجارة غير مشروعة لحيوانات مفترسة، يشتريها بعض الهواة ثم يتخلصون منها في المصارف حين تكبر وتعجز ميزانياتهم عن إطعامها.
الدولة التي تلاحق بائعي "البقدونس" في الشوارع، تعجز عن ضبط سوق الحيوانات المفترسة! هذا الانفلات الرقابي هو الوجه الآخر لفساد المحليات والبيئة، حيث يمكن لأي شخص أن يقتني "تمساحاً" أو "أسداً" في منزله، وحين يمل منه، يلقيه في الشارع ليأكل جيرانه. الحكومة هنا شريك في الجريمة بصمتها وتقاعسها عن تطبيق القانون على "حيتان" هذه التجارة، بينما يدفع الثمن البسطاء في القرى.
"أكلوا بقرة".. غداً يأكلون طفلاً
الروايات المتداولة عن التماسيح التي التهمت "بقرة" قد تبدو مبالغاً فيها للبعض، لكنها جرس إنذار لما هو قادم. إذا كانت هذه الزواحف قادرة على مهاجمة الماشية، فما الذي يمنعها من مهاجمة طفل يسير بمفرده بجوار المصرف؟
النظام الذي ينتظر وقوع الكارثة ليتحرك بـ"بيان نعي" و"صرف تعويض هزيل"، هو نظام فاقد للأهلية. التعامل مع هذا الخطر بمنطق "التجاهل" أو "السخرية" هو جريمة قتل بالترك. في دول العالم المحترمة، ظهور حيوان مفترس قرب منطقة سكنية يستدعي استنفاراً أمنياً وبيئياً فورياً، أما في مصر، فالأهالي يصورون التماسيح بهواتفهم وينشرونها على الفيسبوك علّ أحداً يتحرك، بينما المسؤولون في مكاتبهم المكيفة لا يحركون ساكناً.
التماسيح الحقيقية ليست في الترعة
في النهاية، مشكلة أهالي الشرقية ليست فقط في التماسيح التي تسبح في المصرف، بل في "التماسيح البشرية" التي تبتلع ميزانيات المحليات والبيئة والري دون أن تقدم خدمة حقيقية. التمساح الذي في الترعة خطر، لكن التمساح الذي يجلس على الكرسي ويهمل شكاوى المواطنين ويتركهم فريسة للخوف والمرض هو الأخطر.
واقعة "تماسيح الزوامل" هي فضيحة جديدة تضاف لسجل "حكومة الكوارث"، ورسالة بأن الفساد والإهمال في مصر وصلا لمرحلة "التوحش" الحرفي، حيث لم يعد الفارق كبيراً بين الغابة والقرية، فالقانون غائب في الاثنين، والبقاء للأقوى (أو للمفترس) في ظل حكم لا يرى ولا يسمع ولا يحمي.

