رصد تحليل لموقع "يورو بروسبكت" كيف أصبح السودان مسرحًا للقوى الإقليمية للتنافس ضد بعضها البعض، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق رؤيته الاستراتيجية الخاصة بدلاً من الالتزام بأي تحالف أيديولوجي. 

 

وقال إنه في قلب هذا التنافس تقع الإمارات العربية المتحدة، التي يحرك دعمها لقوات الدعم السريع مزيجًا من الطموح التجاري والإسقاط الجيوسياسي. 

 

وفي وقت مبكر من يناير 2024، أفاد موقع "ميدل إيست آي"، أن الإمارات تستخدم شبكة معقدة من الإمدادات لتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة باستخدام طرق عبر تشاد وليبيا وجنوب السودان. 

 

وفي أكتوبر 2025، أفادت تحقيقات أجهزة المخابرات الأمريكية أن الإمارات زادت من إمداداتها من الطائرات بدون طيار صينية الصنع لقوات الدعم السريع وأسلحة أخرى لقوات الدعم السريع. 

 

وفي نوفمبر 2025، تم قصف قافلة إمداد تابعة لقوات الدعم السريع، وكانت واحدة من القوافل التي تعرضت للقصف والتي نقلت أسلحة الإمارات عبر طريق معقد يمر عبر ليبيا إلى تشاد ثم دارفور، وهو مقر قوات الدعم السريع.

 

وعبر هذه الطرق، تزودت قوات الدعم السريع بالذخائر والأسلحة، مما مكّنها من الاستيلاء على مدينة الفاشر بعد حصار دام 500 يوم، وأدى إلى واحدة من أسوأ مجازر حرب السودان، 

 

إذ شاركت قوات الدعم السريع في مجازر ضد السكان المدنيين. وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدد الضحايا المدنيين يتراوح بين 2000 و3000، مع فرار حوالي 30 ألفًا من المدينة.

 

أسباب الدعم الإماراتي للسودان

 

بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، يوضح التقرير، أن هناك بُعدين لدعم قوات الدعم السريع. الأول هو أيديولوجي. بين عامي 1989 و2019، كان السودان يحكمه الجيش، الذي كان مدعومًا من جماعة "الإخوان المسلمين"، التي كان لها نفوذ قوي داخل السودان، وبعد عام 2019، مع سقوط عمر البشير، دعم الإخوان النظام مرة أخرى كوسيلة لاستعادة السلطة في السودان من خلال الإطاحة بالحكومة المدنية. بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، لطالما شكل "الإخوان" تهديدًا للنظام، وبالتالي فإن دعم حميدتي هو وسيلة لهزيمة الإخوان في السودان.

 

أما السبب الثاني لدعم قوات الدعم السريع كما يشير التحليل، فهو اقتصادي، ويقع البحر الأحمر في قلبه. يمر ما بين 12 بالمائة و20 بالمائة من حركة النقل البحري التجاري العالمي عبر البحر الأحمر، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة للإمارات.

 

إذ تسعى إلى كسر الهيمنة المصرية والسعودية على البحر الأحمر، معتبرةً إياه بوابة أفريقيا. بل إن الإمارات أنفقت أكثر من الصين في السودان، والذي تراه بوابة أفريقيا، وترى في أفريقيا بوابةً لهيمنتها المالية في سعيها إلى تجاوز النفط.

 

خوف مصر من انقسام السودان

 

على النقيض من ذلك، قال التقرير إن مصر تنظر إلى انقسام السودان من خلال عدسة الأمن القومي والجغرافيا السياسية للنيل. 

 

بالنسبة لمصر، يُنظر إلى السودان على أنه امتداد لحدودها الجنوبية، وترى الجيش السوداني كضامن لأمن حدودها الجنوبية. 

 

وتقول المصادر إن الاستقرار في السودان أمر بالغ الأهمية للأمن القومي المصري، وبالتالي، يجب احترام مؤسسات الدولة، ويجب حماية سلامة الجيش لمنع أي تقسيم آخر للبلاد. 

 

والسبب الرئيس لذلك هو أن السودان يضعف، وأن التقسيم سيجعل البلاد أضعف بشكل عام، مما يؤدي إلى انتكاسة استراتيجية لمصر، حيث اعتمدت منذ فترة طويلة على السودان للدفاع عن حقوقها في مياه النيل. 

 

ولسنوات، أبرز التقرير التحالف بين السودان ومصر على نهر النيل، وبخاصة عندما قررت إثيوبيا بناء سد النهضة الإثيوبي، الذي حول الكثير من مياه النيل، التي كانت تذهب إلى مصر والسودان لصالح إثيوبيا. فيما يعني السودان المنقسم والضعيف أن مصر معزولة عن إثيوبيا.

 

الوسادطة السعودية في السودان

 

فيما سلط التقرير الضوء على دور المملكة العربية السعودية في السودان، قائلاً إنها تريد أن تلعب دور الوسيط في الصراع. 

 

في وقت مبكر من الصراع، استخدمت السعودية دورها كوسيط وحيادي لتسهيل إجلاء الآلاف من الأجانب عبر بورتسودان، وهو جهد اكتسب حسن نية كبير. 

 

بناءً على ذلك، استغلت السعودية نفوذها لدى الولايات المتحدة لاستضافة محادثات جدة لوقف إطلاق النار في عام 2023، لكنها فشلت مع استمرار القتال. 

 

مع ذلك، رفضت السعودية ودول الخليج الأخرى، محاولة قوات الدعم السريع وحلفائها إضفاء الطابع الرسمي على القوى المناهضة للحكومة المركزية في السودان من خلال التوقيع على "دستور انتقالي" في نيروبي.

 

وتلعب السعودية حاليًا دور الوسيط للضغط على الإمارات، والتي تراها وحلفائها تشكل تهديدًا للمملكة. لذا، فإن اتساع الفجوة حول السودان ليس خلافًا معزولًا، بل هو مؤشر على تباعد استراتيجي أعمق بين الرياض وأبو ظبي، حيث تعاونت كل من السعودية والإمارات في وقت ما ضد تهديد الإخوان.

 

ولكن الآن، بسبب التنافس الاقتصادي والسياسي، تتباعد مساراتهما مع وضع السعودية رهاناتها على الجيش السوداني بدلاً من قوات الدعم السريع. وهذا هو أيضًا السبب الرئيس وراء إبلاغ محمد بن سلمان ترامب بالمشاكل في السودان وطلبه منه التدخل لحل الأزمة. وبينما من المرجح ألا تتدخل المملكة العربية السعودية أبدًا كما فعلت الإمارات، إلا أنها استخدمت نفوذها السياسي باستمرار للتفاوض على إنهاء الصراع.

 

وأبرز التحليل في خضم هذا التنافس على القوة، هناك دول أخرى تريد التأثير على الصراع في السودان، من بينها إيران على سبيل المثال، التي زودت بين ديسمبر 2023 ويناير 2024 ، القوات المسلحة السودانية بطائرات بدون طيار، مما ساعد القوات المسلحة السودانية بشكل كبير على استعادة الخرطوم والمناطق المحيطة بالعاصمة. 

 

بالنسبة لإيران، يشير التقرير إلى أن مساعدة الحكومة السودانية الحالية لا تقتصر على إبراز القوة والنفوذ في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل تساعدها أيضًا في الحصول على ميزة على منافستها الخليجية، وهي الإمارات. 

 

كما أبرز دور روسيا في السودان، لكونها تحتاج إلى قاعدة عسكرية في إفريقيا للتخلص من اعتمادها على قاعدتها المتوسطية في سوريا، والتي السودان على استعداد لتقديمها لروسيا مقابل الأسلحة. 

 

كما تدعم تركيا بهدوء الحكومة السودانية، حيث توفر طائرات بدون طيار عسكرية وصواريخ جو-أرض ومراكز قيادة. ما لدينا هو حرب بالوكالة مستمرة حيث يتنافس كل منهما على المصالح المتنافسة بينما لا زال السودان غارقًا في صراع أهلي يتحمل المدنيون وطأة هذه الخسائر.

 

معضلة أوروبا - بين الاستقرار والتبعية


بالنسبة للاتحاد الأوروبي، اعتبر التحليل أن الحرب في السودان تكشف عن معضلة استراتيجية عميقة؛ إذ يهدد الصراع مصالحه الأساسية في السيطرة على الهجرة والإرهاب والنفوذ الإقليمي بشكل مباشر، ولكن في الوقت نفسه، فإن اعتماده على دول الخليج في الثروة يقيده. 

 

ونظرًا لموقعه الاستراتيجي على مفترق طرق شمال إفريقيا والساحل، يُعد السودان بلدًا رئيسًا لمنشأ وعبور المهاجرين المتجهين إلى الشواطئ الأوروبية عبر شمال إفريقيا. 

 

وقد أدى استمرار الحرب وغياب سيطرة الحكومة إلى وجود فراغ في السلطة، مما زاد من عمليات النزوح، ولكنه سهّل أيضًا الهجرة الداخلية إلى أوروبا. وقد خلقت الحرب بيئة مواتية لانتشار أنشطة الاتجار بالبشر وفتح طرق عبور غير نظامية جديدة للهجرة نحو أوروبا. 

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن البحر الأحمر، الذي تُجرى فيه 40 بالمائة من التجارة بين آسيا وأوروبا، يتعرض لضغوط ويخضع لسيطرة حلفاء الخليج، وخاصة الإمارات، مما يجعل من الصعب على أوروبا فعل أي شيء حيال الصراع.

 

ويرى أن قدرة أوروبا على الاستجابة محدودة بشدة بسبب تناقض في صميم سياستها الخارجية. لدى كل من الإمارات والاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارية قائمة، حيث تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري عالمي للاتحاد الأوروبي، حيث تتقاسم 67.6 مليار دولار من التجارة غير النفطية في عام 2024. 

 

في الوقت نفسه، منذ حرب روسيا وأوكرانيا عام 2022، حيث حاول الاتحاد الأوروبي الابتعاد عن الغاز والنفط الروسيين، حل الغاز والنفط الخليجي محل الغاز الروسي، حيث قامت السعودية والإمارات والكويت بتصدير المزيد من النفط إلى أوروبا خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 مقارنة بعام 2021. 

 

وبحسب التقرير، فقد شكل هذا الاعتماد استجابة أوروبية حذرة وخافتة تقريبًا. ويمكن رؤية مثال على ذلك مؤخرًا، في 28 نوفمبر 2025، عندما وافق الاتحاد الأوروبي على قرار يدعو إلى إنهاء الصراع في السودان دون ذكر الإمارات على الإطلاق. 

 

وقد أشارت بعض التعديلات التي قدمتها الجماعات السياسية اليسارية إلى تورط الإمارات ودعمها لقوات الدعم السريع، ولكن تم رفض ذلك بسرعة، حيث صوت حزب الشعب الأوروبي والجماعات اليمينية ضده.

 

ونتيجة لذلك، خلص التقرير إلى أن سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي تُقرّ بأن السودان يواجه أزمة إنسانية "كارثية" ، مع إقرار المفوضية بأن قوات الدعم السريع لا تزال تمنع المساعدات الإنسانية، مما يُقلّص مساحة العمل الإنساني في السودان أكثر فأكثر، دون أن يُشير إلى الإمارات. 

 

ومع تفاقم الصراع في السودان واتساع رقعة الحرب فيه، تُشير الأدلة إلى أنه من المرجح أن يُترَك الاتحاد الأوروبي خلف الركب، وأن تكون لدول الخليج الكلمة الفصل في الحرب في السودان، وليس الاتحاد الأوروبي.

 

الاختبار الاستراتيجي لأوروبا

 

وخلص التقرير إلى أن الحرب في السودان ليست مجرد كارثة بعيدة المنال، بل هي بمثابة جرس إنذار لأوروبا، تُظهر مدى خسارتها في لعبة القوة العالمية. 

 

وأشار إلى تحول ما بدأ كمعركة بين جيش البرهان وقوات الدعم السريع التابعة لحميدتي إلى ساحة معركة بالوكالة. ولفت إلى أن الإمارات والسعودية ومصر وإيران وحتى روسيا تشق طريقها الآن، كل منها يتوق إلى قطعة من المنطقة. 

 

كانت أوروبا ترى السودان ذات يوم جزءًا من جوارها، لكنه الآن على الهامش بينما يعيد الجميع رسم الخريطة. وقد أظهرت الحرب أن أوروبا لا يمكنها إظهار القوة الصارمة، وهو أمر ضروري للضغط على الجهات الفاعلة المسؤولة عن العنف لوقفها. 

 

ومع ذلك، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإنه لا يحتاج إلى إظهار القوة الصارمة؛ بدلاً من ذلك، يمكنه استخدام قوته الناعمة الكبيرة للتأثير على الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج لإبرام اتفاق سلام.

 

إذا استمرت أوروبا في التعامل مع السودان كما لو كان مشكلة شخص آخر، فإنها في الأساس تُسلم البحر الأحمر - ومعظم مستقبل إفريقيا - إلى قوى خليجية وآسيوية ذات أجندات مختلفة تمامًا، دون أي اهتمام بحقوق الإنسان، وفق التقرير. 

 

ويتحول ممر التجارة في البحر الأحمر، الذي يمر منه ما يقرب من نصف التجارة بين الاتحاد الأوروبي وآسيا، إلى ساحة معركة بين قوى متنافسة تهتم أكثر بتأمين مستقبلها ومواردها بدلاً من النضال من أجل سلام قابل للاستمرار. 

 

ورأى التقرير أن أزمة الهجرة لن تتجاوز أوروبا. بل ستزيد من تأجيج الفوضى السياسية التي تهز الاتحاد الأوروبي بالفعل، ومع استمرار الصراع في السودان وتدهور قوة مركزية، أظهرت الأدلة أن الهجرة ستستمر إلى أوروبا وأكثر إذا لم يُحل الصراع قريبًا.

 

في النهاية، تُمثل حرب السودان اختبارًا لأوروبا. يُوضح الصراع حقيقةً واحدة: لا يمكن لأوروبا أن تستمر في الاختباء وراء التصريحات والقرارات وأموال المساعدات بينما يُشكل ما يُسمى بشركائها النتائج على أرض الواقع. 

 

وقال التقرير: إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يكون ذا أهمية في منطقة القرن الأفريقي وعلى طول البحر الأحمر، فعليه أن يوحد صفوفه، وأن يُولي اهتمامًا بالغًا، وأن ينظر إلى السودان على حقيقته، وهي حربٌ كبرى بين دولٍ متنافسة على النفوذ والموارد. 

 

وبدون تأثير الاتحاد الأوروبي على القرارات في السودان، سيتخلف عن الركب الجيوسياسي، تمامًا كما تُرك في منطقة الساحل، وسُلِّم إلى روسيا والصين، بحسب ما يخلص التقرير.

 

https://europrospects.eu/sudans-geostrategic-tragedy-how-uae-saudi-egypt-rivalry-is-testing-europes-influence/