تحت عنوان: "نزاعات مياه النيل والحلول الإقليمية"، سلط موقع "كوميونتي اللاينس"، الضوء على التوترات التي اندلعت مؤخرًا بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي. 

 

واتهمت مصر إثيوبيا بالمسؤولية عن الفيضانات الأخيرة من خلال عمليات بناء أحادية الجانب. ودعا قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي إلى تدخل دولي وإبرام اتفاقية ملزمة قانونًا لتنظيم استخدام السد.

 

في المقابل، تتهم إثيوبيا مصر بالتمسك بـ"العقلية الاستعمارية" التي تُعيق التعاون الإقليمي. ولا يزال النزاع دون حل، إذ يتبادل الطرفان اللوم في تصعيد الأزمة وتقويض الثقة المتبادلة.


أصداء الماضي والتوترات المتصاعدة اليوم

 

يصف التقرير، جغرافية حوض النيل بأنها معقدة، إذ تمتد على عشر دول تعتمد على النهر بدرجات متفاوتة. بالنسبة لدول مثل إثيوبيا وأوغندا ورواندا والسودان، يتدفق النيل عبر أجزاء كبيرة من أراضيها.

 

وفي المقابل، رغم اعتماد مصر بشكل شبه كامل على النيل كمصدر للمياه العذبة، إلا أنها لا تُسهم إلا قليلاً في تدفقه. إذ يأتي أكثر من 97 بالمائة من مياه الري في مصر من النيل، بينما تقع معظم مصادره عند المنبع- في دول كانت تاريخيًا محدودة في استخدامه.

 

وأرجع ذلك إلى هذا الاستخدام غير المتكافئ إلى معاهدات تعود إلى الحقبة الاستعمارية. فقد منحت اتفاقية عام 1929 بين مصر وبريطانيا مصر حق النقض (الفيتو) على أي مشاريع مائية في المنبع.

 

ولاحقًا، قسّم الاتفاق الثنائي لعام 1959 بين مصر والسودان مياه النيل بين البلدين، مُخصصًا 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان، دون أن يُترك أي حصة لدول المنبع مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا. 

 

لم تُستبعد هذه الدول من عملية التفاوض فحسب، بل مُنعت أيضًا (عبر معاهدات) من استخدام ولو قطرة واحدة من مياه النيل دون موافقة دول المصب.

 

في المقابل، أشار إلى مثل السد العالي في مصر وقناة جونقلي غير المكتملة والتي رأى أن الهدف منها تعزيز السيطرة المصرية على النهر. وعلى الرغم من أن هذه المشاريع ساهمت في استقرار إمدادات المياه وتوليد الطاقة في مصر، إلا أنها عبّرت أيضًا عن عدم رغبتها في تقاسم الموارد.

 

على سبيل المثال، استُهدفت إثيوبيا صراحةً بضغوط دبلوماسية واقتصادية لوقف أي خطط تنمية تتعلق بالنيل الأزرق. وعارضت مصر بشدة خطة تنزانيا لبناء خط أنابيب من بحيرة فيكتوريا، وحذرت كينيا من الانسحاب من المعاهدات الاستعمارية، واصفةً هذه الإجراءات بانتهاك القانون الدولي، بل وعمل عدواني.

 

وذكر التقرير، أن ردود فعل دول المنبع ازدادت قوةً بمرور الوقت، حيث يرفض الكثيرون الاتفاقيات الاستعمارية، معتبرين أنها فُرضت دون موافقة، ولا تعكس احتياجات العصر الحديث.

 

وقالت إن إثيوبيا أصبحتاعلى وجه الخصوص، أكثر حزمًا في تطوير سد النهضة لمواجهة تحدياتها المائية والطاقة. وقد افتُتح رسميًا في 9 سبتمبر، بعد اكتماله في يوليو. 

 

ويقع السد على النيل الأزرق، وهو أكبر سد كهرومائي في أفريقيا، بسعة 5.15 جيجاواط، ويهدف إلى تلبية احتياجات إثيوبيا المحلية من الطاقة ودعم صادراتها من الكهرباء.

 

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن إثيوبيا تعتبر المشروع حافزًا للتنمية الإقليمية، إلا أن إطلاق السد زاد من حدة التوترات، لا سيما مع مصر، التي لا تزال قلقة بشأن الآثار المحتملة على أمنها المائي. 

 

ولا تزال مصر تعتبر هذه المشاريع تهديدًا وجوديًا، مما يعزز عقلية "المحصلة الصفرية" التي تُعتبر فيها أي مكاسب لدول المنبع خسارة لمصر، بحسب التقرير.


تعزيز العلاقات الإقليمية لمعالجة القضايا المشتركة

 

وبينما تتصاعد التوترات، حذر التقرير من أن جميع دول حوض النيل تواجه تحديات تنموية متشابهة: انعدام الأمن الغذائي، ونقص الطاقة، والنمو السكاني، والتدهور البيئي. وقال إن هذه الصراعات المشتركة ينبغي أن تُشكّل أساسًا للتعاون لا مصدرًا للصراع.

 

وتُعزز المبادرات الإقليمية، مثل مبادرة حوض النيل، والمبادئ الدولية، بما فيها قواعد هلسنكي، الاستخدام العادل والمعقول لموارد المياه العابرة للحدود. 

 

تُعزز هذه الأطر الاحترام المتبادل والمنافع المشتركة والإدارة التعاونية لموارد المياه. إلا أن التقدم كان بطيئًا بسبب انعدام الثقة، وغياب آليات التنفيذ، والإجراءات الأحادية التي تُقوّض التعاون.

 

علاوةً على ذلك، تُؤثر التهديدات البيئية، كالتصحر وإزالة الغابات والجفاف، على المنطقة بأكملها. فمع امتداد الصحراء الكبرى جنوبًا، تُفقد الأراضي الخصبة، وتُجبر المجتمعات على النزوح. ولا يُمكن مواجهة هذه التحديات بفعالية إلا من خلال التخطيط الشامل للحوض، وتحسين حصاد المياه، واعتماد ممارسات مستدامة لاستخدام الأراضي، كما يشير التقرير.


من السياسة إلى الشراكة: مفاتيح التقدم الإقليمي


وأوضح أنه على الرغم من التصريحات القوية الصادرة عن المؤسسات العالمية، لا زالت أفريقيا تعاني من الفقر والتخلف ونقص البنية التحتية. وتتفاقم هذه المشاكل في مناطق مثل حوض النيل، حيث يحدّ شحّ المياه من الإنتاجية الزراعية ويعرقل النمو الاقتصادي. ولعكس هذا التوجه، لا بد من الإرادة السياسية والتعاون الدولي.

 

وشدد على أنه يجب على جميع الدول المشاطئة أن تعمل على إرساء إطار قانوني ومؤسسي يضمن توزيعًا عادلًا للمياه ويحمي حقوق مستخدميها من المنبع والمصب. وينبغي أن تشمل هذه الأطر آلياتٍ لتسوية النزاعات، وبناء القدرات، والتدريب الفني، وتطوير مشاريع مائية مشتركة، قائلاً إن هذا التعاون لن يُخفف التوترات فحسب، بل سيعزز أيضًا التكامل الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.

 

ورأى في الوقت ذاته أنه لم تعد استراتيجية مصر الحالية، القائمة على الحفاظ على الهيمنة ومعارضة تطوير المنبع، قابلة للاستدامة. فالتحولات الجيوسياسية وتراجع نفوذ الحلفاء الخارجيين، مثل الولايات المتحدة، تفرض على مصر التكيف.

 

وأشار إلى أن النهج التعاوني والشامل من شأنه أن يمكّن مصر من تأمين احتياجاتها من المياه مع دعم التنمية في جيرانها، وفي الوقت نفسه فإن الاستمرار في معارضة تقاسم المياه بشكل عادل يهدد بعدم الاستقرار الإقليمي والصراع المحتمل وفقدان حسن النية الدولية.

 

3 توصيات أساسية 


وقال التقرير، إن دول حوض النيل تقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن تُصرّ على إجراءاتها الأحادية والاعتماد على اتفاقيات عفا عليها الزمن، مما يُعرّضها لمزيد من الصراعات، أو أن تختار مسار التعاون لضمان استدامة المياه والاستقرار الإقليمي على المدى الطويل. 

 

ومع توقعات بارتفاع عدد سكان المنطقة من أكثر من 400 مليون نسمة حاليًا إلى أكثر من 556 مليون نسمة بحلول عام 2050، فإن القرارات المتخذة الآن ستُشكّل مستقبل رفاهية وازدهار الأجيال القادمة.

 

وللمضي قدمًا، يقترح التقرير ثلاث خطوات رئيسة ضرورية:

 

رفض المعاهدات الاستعمارية العتيقة والتفاوض على اتفاقية جديدة لتقاسم المياه على مستوى الحوض استناداً إلى المبادئ القانونية الدولية، مثل قواعد هلسنكي.

 

إعطاء الأولوية لمشاريع التنمية المشتركة في مجالات الري والطاقة الكهرومائية وإدارة الفيضانات التي تعود بالنفع على كل من الدول الواقعة أعلى النهر ودول المصب.

 

بناء مؤسسات وقيادات قوية، بدعم من الشركاء الدوليين، لتعزيز الشفافية والمساءلة والاستدامة.

 

الماء ليس ضروريًا للحياة فحسب، بل هو أيضًا ركيزة أساسية للسلام والتنمية المستدامة. بالاحترام المتبادل والإرادة السياسية القوية والقيادة الحكيمة، يمتلك نهر النيل القدرة على التحول من مصدر للصراع إلى شريان حياة موحد لجميع الدول التي تتشارك ضفافه.


https://fresnoalliance.com/nile-water-disputes-and-regional-solutions/