في رسالة تحدٍ واضحة للمشاريع المشبوهة التي تُحاك في الغرف المغلقة لرسم مستقبل قطاع غزة على مقاس الاحتلال، أطلق خالد مشعل، رئيس حركة حماس في الخارج، "لاءات المقاومة" الحاسمة، معلنًا الرفض القاطع والنهائي لأي شكل من
أشكال الوصاية الخارجية على القطاع الصامد. من قلب مدينة إسطنبول، وخلال مؤتمر "العهد للقدس"، رسم مشعل الخطوط الحمراء للمعركة السياسية القادمة، مؤكدًا أن دماء الشهداء وتضحيات الشعب الفلسطيني هي وحدها التي تمنح الشرعية، وأن غزة لن تكون إلا فلسطينية القرار والهوى، ولن يحكمها جنرال أمريكي ولا ضابط إسرائيلي ولا وكيل عربي، بل سيحكمها أبناؤها الذين رووا ترابها بدمائهم.
سقوط أوهام "الهندسة الأمريكية": غزة عصية على الكسر
جاءت تصريحات مشعل كـ "رصاصة سياسية" في وجه التسريبات الإعلامية العبرية التي تحدثت عن مخطط أمريكي لتشكيل "لجنة إدارة مؤقتة" و"مجلس سلام" للإشراف على غزة، في محاولة لإقصاء المقاومة والسلطة معًا . مشعل نسف هذه الأوهام، مؤكدًا أن "الفلسطيني هو من يحكم نفسه"، وأن زمن فرض الحلول المستوردة قد ولى.
إن محاولات واشنطن وتل أبيب لاستنساخ نماذج حكم "الدمى" في غزة هي قفزة في الهواء؛ فمن صمد أمام أعتى آلة حرب إبادة لأكثر من عامين، لن يقبل بأن تُسرق إرادته السياسية بقرار إداري. وشدد مشعل على أن "البلطجة الإسرائيلية" التي تسعى لإخضاع المنطقة بأسرها ستتحطم عند صخرة الصمود الفلسطيني، محذرًا من أن إسرائيل لن تكون يومًا "صديقة" أو جزءًا طبيعيًا في المنطقة، مهما حاولت بعض الأنظمة دمجها قسريًا.
سلاح المقاومة: الدرع والسيف
لم يكتفِ مشعل برفض الوصاية السياسية، بل وضع "حماية مشروع المقاومة وسلاحها" كأولوية قصوى لا تقبل المساومة. هذا السلاح، الذي أذل جيش الاحتلال وكشف هشاشته، هو الضمانة الوحيدة لمنع تكرار النكبة، ولحماية الضفة الغربية التي تواجه اليوم أخطر حملة "تهويد واستيطان وتهجير" في تاريخها .
الدعوة لحماية السلاح هي رسالة للداخل والخارج بأن المقاومة ليست ورقة تفاوضية، بل هي عقيدة وجود. كما أنها دعوة للأمة العربية والإسلامية للتحرك الفعلي لإنقاذ ما تبقى من الأرض، معتبرًا أن الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني ليس منة بل هو "واجب ديني وقومي" في معركة تحرير المقدسات.
الحرب الصامتة: التجويع سلاح الجبناء
كشف مشعل عن الوجه القبيح لـ "السلام المزعوم"، مشيرًا إلى أن توقف القصف الجوي (نظريًا) لم يوقف حرب الإبادة الحقيقية المستمرة عبر سلاح "التجويع". فرغم اتفاق وقف إطلاق النار الهش، لا يزال 2.4 مليون فلسطيني يعيشون تحت وطأة حصار خانق يمنع عنهم الغذاء والدواء .
الأرقام التي استشهد بها مرعبة: 360 شهيدًا و922 مصابًا سقطوا برصاص الغدر الإسرائيلي بعد سريان الاتفاق، مما يؤكد أن الاحتلال لا يحترم عهدًا ولا ميثاقًا، وأنه يستغل الصمت الدولي لمواصلة القتل البطيء وتصفية الوجود الفلسطيني في غزة.
الملاحقة والمحاسبة: لا إفلات من العقاب
اختتم مشعل خطابه بدعوة مفتوحة لتحويل إسرائيل إلى "كيان منبوذ" عالميًا، وملاحقة قادتها كمجرمي حرب في كل المحافل الدولية . كما وضع قضية الأسرى على رأس الأولويات، مذكرًا بوجود أكثر من 9300 أسير يواجهون الموت البطيء في زنازين الاحتلال، مشددًا على أن تحريرهم هو دين في رقبة المقاومة والأمة.
إن "طوفان الأقصى" لم ينتهِ، ومعركة السياسة والإرادة لا تقل ضراوة عن معركة الميدان، وغزة التي دفعت ثمن حريتها 70 ألف شهيد، لن تقبل بأقل من الحرية الكاملة والسيادة التامة.

