في رضوخ تام ومذل لشروط المؤسسات المالية الدولية، اتفقت حكومة الانقلاب مع بعثة صندوق النقد الدولي على تسريع وتيرة "تصفية" ممتلكات الدولة، عبر طرح 11 شركة وبنكاً حكومياً للبيع خلال الربع الأول من عام 2026.

 

هذا الاتفاق، الذي كشفت عنه مصادر مطلعة بوزارة المالية، يؤكد أن النظام الحالي لا يملك أي حلول اقتصادية حقيقية سوى بيع أصول الشعب المصري قطعة تلو الأخرى، لسد العجز المتفاقم والحصول على شرائح جديدة من القروض التي تغرق البلاد في مستنقع الديون.

 

وتأتي هذه الخطوة استجابة لضغوط "البعثة الفنية" للصندوق، التي ربطت صرف الشريحتين الخامسة والسادسة (المؤجلتين منذ يوليو الماضي) بمدى التزام الحكومة بتجريد الدولة من ملكيتها الاقتصادية لصالح ما يسمى بـ "القطاع الخاص"، في إشارة واضحة للمستثمرين الأجانب والصناديق السيادية.

 

قائمة "التصفية": الجيش والقطاع المصرفي في المزاد

 

لم يعد هناك خطوط حمراء في عمليات البيع؛ فقد شملت القائمة المتفق عليها شركات تابعة للقوات المسلحة، في سابقة تعكس حجم الأزمة المالية الطاحنة.

 

وبحسب المصدر، سيبدأ "المزاد" في فبراير المقبل بطرح شركات "وطنية" و"صافي" و"شيل أوت".

 

ولم يتوقف الأمر عند محطات الوقود والمياه، بل امتد ليشمل أصولاً استراتيجية وحيوية، حيث سيتم طرح حصة الدولة في "محطة جبل الزيت" لتوليد الطاقة، و"الوطنية للطرق"، وشركة "سايلو فودز" للصناعات الغذائية، و"الأمل الشريف للبلاستيك"، و"مصر للصناعات الدوائية"، و"سبيد"، بالإضافة إلى بنكي "الإسكندرية" و"القاهرة" خلال شهري مارس وأبريل.

 

إن طرح بنوك وطنية عريقة ومحطات طاقة وشركات دواء للبيع ليس مجرد "تخارج" كما يروج إعلام النظام، بل هو تفريط في الأمن القومي الاقتصادي والغذائي والدوائي، وتسليم مفاتيح الاقتصاد المصري لمستثمرين لا يعنيهم سوى الربح السريع، حتى لو كان ذلك على حساب المواطن البسيط الذي سيدفع ثمن خصخصة هذه الخدمات غلاءً وفقراً.

 

إشادات "الصندوق": ثمنها السيادة الوطنية

 

في الوقت الذي يعاني فيه المصريون من التضخم وتآكل الدخول، أشادت بعثة الصندوق بما أسمته "نجاح الحكومة في استقطاب الاستثمارات"، مشيرة تحديداً إلى صفقات بيع الأراضي والمشروعات العقارية مثل "مدينة سيلا" و"علم الروم" بالساحل الشمالي، والتي تم توقيعها مع الجانب القطري باستثمارات تقدر بـ 29.7 مليار دولار.

 

هذه الإشادة تكشف الوجه القبيح للعلاقة بين النظام والصندوق؛ فالأخير يبارك سياسات بيع الأرض والأصول، ويعتبرها "إصلاحاً"، بينما هي في الحقيقة عملية تجريف ممنهجة لمقدرات الدولة.

 

إن حكومة الانقلاب تتباهى بتنفيذ 21 صفقة بيع سابقاً بعوائد 6 مليارات دولار، وتتجاهل أن هذه الأموال تذهب لسداد فوائد الديون القديمة ولا تخلق تنمية حقيقية.

 

والآن، وبموجب الاتفاق الجديد، ترهن الحكومة قراراتها السيادية ومستقبل أجيالها مقابل الحصول على 2.7 مليار دولار (قيمة الشريحتين المؤجلتين) و274 مليون دولار من برنامج "الصلابة"، في مقايضة خاسرة تبيع فيها الأصول الثابتة مقابل قروض استهلاكية زائلة.

 

تسريع الانهيار: اقتصاد بلا إنتاج

 

اشترط الصندوق "تسريع تنفيذ برنامج التخارج"، وهو ما سارعت الحكومة للموافقة عليه دون تردد، مما يثبت أنها مجرد "موظف تنفيذ" لدى المؤسسات الدولية، فاقدة للرؤية والقرار.

 

إن الحديث عن إتاحة الفرصة للقطاع الخاص لقيادة التنمية هو "كذبة كبرى" في ظل بيئة اقتصادية طاردة ومكبلة بالبيروقراطية والفساد.

 

ما يحدث ليس تمكيناً للقطاع الخاص الوطني، بل هو إحلال لرأس المال الأجنبي الساخن محل الدولة في القطاعات الرابحة، وترك القطاعات الخاسرة والخدمية عبئاً على الموازنة العامة، مما يسرع من وتيرة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

 

إن مصر اليوم لا تباع فقط، بل تُفكك قطاعاتها الحيوية وتُسلم لمن يدفع بالدولار، في ظل نظام لا يرى في الوطن سوى "سلعة" وفي المواطن سوى "دافع ضرائب".