تحت شعار "عام تحت النار.. نساء لا أرقام 2025"، أطلقت "منظمة حواء" صرخة مدوية في وجه الأنظمة القمعية وآلات القتل التي استباحت دماء وحريات النساء في العالم العربي والإسلامي.
المؤتمر الذي عُقد في إسطنبول لم يكن مجرد فعالية بروتوكولية، بل تحول إلى منصة محاكمة أخلاقية وقانونية لعام وصفته المنظمة بأنه الأسوأ حقوقياً، حيث تحولت فيه النساء إلى أهداف مباشرة لعمليات انتقامية ممنهجة شملت الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب الوحشي، والتهجير.
ويأتي هذا الحراك الحقوقي ليعري أنظمة – وعلى رأسها نظام الانقلاب في مصر – التي جعلت من التنكيل بالمرأة استراتيجية لبث الرعب وتثبيت أركان حكمها، متجاهلة كافة المواثيق الدولية والقيم الإنسانية.
عام من الجحيم: حصاد الانتهاكات المروعة
استعرض المؤتمر، الذي تزامن مع اليوم الدولي لحقوق الإنسان، قراءة شاملة ومفزعة لحصاد عام 2025. وكشفت الأرقام والشهادات عن واقع مأساوي تعيشه النساء في بؤر النزاع والقمع، من فلسطين الصامدة تحت القصف، إلى السودان الممزق، وسوريا الجريحة، واليمن المنسي، وتركستان الشرقية المحتلة.
لكن الملف المصري كان حاضراً بقوة كنموذج صارخ لـ "إرهاب الدولة"، حيث استعرضت الأستاذة آيات الخزرجي حصاد الانتهاكات في مصر لعام 2025.
وتضمنت القراءة تفاصيل مروعة عن حملات المداهمات الليلية، واختطاف النساء من منازلهن كرهائن، وتلفيق القضايا الهزلية للأمهات والطالبات، والزج بهن في سجون لا تصلح للحيوانات، ناهيك عن الإهمال الطبي المتعمد الذي يفتك بالمعتقلات السياسيات.
إن نظام الانقلاب لم يكتفِ بمصادرة الحريات العامة، بل كسر كل الخطوط الحمراء المجتمعية عبر استهداف النساء في شرفهن وحريتهن، محولاً السجون إلى مقابر للأحياء.
شهادات حية: وجوه خلف الأرقام
هدف المؤتمر الأساسي كان تحويل الأرقام الصماء إلى وجوه حية وقصص لا تُمحى من الذاكرة. وفي هذا السياق، استمع الحضور إلى شهادات ناجيات، ومنهن ضحايا من سوريا حاورتهن الأستاذة فلك شبيب، ونساء من مناطق نزاع أخرى.
هذه الروايات كشفت عن الأثر النفسي المدمر لسياسات القمع، وهو المحور الذي تناولته الدكتورة هدى أحمد، مشيرة إلى الصدمات العميقة التي تخلفها تجارب الاعتقال والنزوح، والتي تتطلب برامج دعم نفسي واجتماعي عاجلة لترميم ما دمرته الحروب والأنظمة المستبدة.
وفي الشأن السوداني، تحدثت الأستاذة إيمان فتح الرحمن، الرئيس السابق بالمفوضية السودانية، عن الانتهاكات الجسيمة التي طالت النساء وسط صمت دولي مريب، بينما قدم الباحث الدكتور سرحات أوراكجي تحليلاً لأثر النزاعات في أفريقيا. كما لم يغب جرح الأويغور، حيث قدمت الناشطة فاطمة يوسف مداخلة عن مأساة نساء تركستان الشرقية.
المساءلة الدولية: لا إفلات من العقاب
لم يكتفِ المؤتمر بالرصد والبكاء على الأطلال، بل ناقش مسارات المساءلة الدولية وسبل ملاحقة الجناة.
وأكد المتحدثون، ومن بينهم خبراء قانونيون، أن الجرائم التي تُرتكب ضد النساء – سواء في سجون مصر أو تحت قصف الاحتلال أو في معسكرات الاعتقال – لا تسقط بالتقادم.
واختتمت الأستاذة بنان العضايلة المؤتمر بقراءة التوصيات، مؤكدة أن المرأة ستبقى "صوتاً وذاكرة لا تُمحى"، وقضية لا يمكن اختزالها في رقم إحصائي.
إن رسالة "حواء" واضحة: استمرار الصمت الدولي وتواطؤ المجتمع الغربي مع الأنظمة الديكتاتورية هو ضوء أخضر لاستمرار هذه المحرقة بحق النساء، وأن المواجهة الحقيقية تبدأ بفضح هذه الممارسات وتوثيقها تمهيداً ليوم الحساب القادم لا محالة.

