في محاولة يائسة لكسر جدار الصمت الذي يفرضه نظام الانقلاب حول ملف المعتقلين السياسيين، أطلقت أسر عدد من سجناء الرأي صرخة استغاثة جماعية تطالب رأس النظام، عبد الفتاح السيسي، بإصدار "عفو عام" شامل ينهي مأساة الآلاف القابعين خلف القضبان بتهم ملفقة تتعلق بحرية التعبير.

 

جاء ذلك خلال ويبينار نظمه "المركز العربي لدراسات القانون والمجتمع"، تحول إلى منصة لمحاكمة سياسات التنكيل الممنهجة التي يمارسها النظام ضد معارضيه، حيث كشفت شهادات الزوجات والأخوات عن واقع مأساوي يتجاوز حدود السجن ليشمل تدمير حياة أسر بأكملها، في ظل "عقاب جماعي" تمارسه دولة بوليسية لا تقيم وزناً للقانون أو الإنسانية.

 

اتهامات "معلبة" وقضاء استثنائي

 

في حديثها عن مأساة زوجها، الصحفي ورسام الكاريكاتير أشرف عمر، لخصت الأكاديمية ندى مغيث العبثية التي وصل إليها القضاء المصري في ظل الانقلاب. فأشرف، المحبوس منذ 16 شهراً، يواجه سيلاً من الاتهامات الجاهزة بـ "الانضمام لجماعة إرهابية" و"تمويل الإرهاب"، وهي تهم باتت "كليشيه" جاهزاً لكل من يحمل قلماً أو ريشة تخالف هوى السلطة. وتساءلت ندى بمرارة: "هل سيُحاكم زوجي أمام قاضٍ طبيعي، أم أمام قاضٍ يصدر حكمه مسبقاً؟"، مشيرة إلى انعدام الثقة في منظومة العدالة التي تحولت إلى أداة انتقام سياسي، حيث لا تهدف الأحكام إلى تطبيق القانون، بل إلى كسر إرادة المعارضين وترويع المجتمع.

 

"التدوير": سياسة الموت البطيء

 

لم تكن مأساة محمد عادل، المتحدث السابق باسم حركة 6 أبريل، أقل قسوة. فرغم قضائه أكثر من 5 سنوات في الحبس الاحتياطي، صدر ضده حكم بالسجن 4 سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، ليجد نفسه محاصراً بآلية "التدوير" الجهنمية التي قد تبقيه في السجن حتى عام 2050، وفق مخاوف زوجته رفيدة حمدي.

 

هذه السياسة، التي تحرم السجين من حريته حتى بعد انتهاء عقوبته، هي جريمة إنسانية مكتملة الأركان، تضاف إليها ممارسات التعذيب النفسي مثل الحرمان من الزيارة والنقل التعسفي بين السجون، بهدف إذلال السجناء وعائلاتهم. وكشفت رفيدة عن بعد آخر للمأساة، وهو التهديد بحرمانها من حقها في الإنجاب والأمومة نتيجة استمرار حبس زوجها لسنوات طويلة دون أفق للحل.

 

أبناء "المغضوب عليهم": التوريث السياسي للعقاب

 

في قضية عمر محمد علي، المحكوم بالمؤبد عسكرياً، تتجلى أبشع صور الانتقام السياسي، حيث يدفع الابن ثمن انتماء والده السياسي. وأكدت شقيقته سارة أن استمرار حبسه رغم الوعود المتكررة بالعفو يعود لكونه "ابن قيادي إخواني قُتل في رابعة". هذا التصريح يكشف عن عقيدة النظام الانتقامية التي لا تكتفي بقتل الخصوم، بل تلاحق أبناءهم في سياسة "ثأر" لا تليق بدولة، بل بعصابة تحكم بمنطق الغاب، وتخشى الإفراج عن شاب بريء خوفاً من "القيل والقال".

 

"تبييض السجون": مطلب شعبي في وجه "مسرحية الحوار"

 

بينما يروج النظام لما يسميه "انفراجة حقوقية" عبر لجنة العفو الرئاسي "المجمدة" فعلياً، أكد المشاركون في الويبينار، وعلى رأسهم مدحت الزاهد ومحمد السادات، أن الواقع يكذب هذه الدعاية. فالإفراجات تتم بالقطارة وتخضع لمزاج الأجهزة الأمنية، في حين يظل الآلاف رهن الاعتقال.

 

وقد أجمعت القوى السياسية والحقوقية على مطلب "تبييض السجون" كضرورة وطنية عاجلة، معلنين عن تأسيس "لجنة الدفاع عن سجناء الرأي" لتوحيد الجهود في مواجهة هذا القمع. إن رسالة هذه الأسر واضحة: لا استقرار ولا تنمية في ظل سجون تبتلع خيرة شباب الوطن، وأن "جمهورية السيسي" لن تستطيع تبييض وجهها أمام العالم طالما بقيت زنازينها شاهدة على أكبر عملية قمع في تاريخ مصر الحديث.