أدانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إصدار محكمة الطفل في مدينة بنها بمحافظة القليوبية، اليوم الثلاثاء، حكمًا بمعاقبة طفلين بالسجن لمدة عشر سنوات بتهم مزعومة تتعلق بـ"الإرهاب"، على خلفية نشاطهما الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وذكرت المبادرة أن الحكم القاسي جاء عقب محاكمة سريعة، غاب عنها الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، من دون أن تستمع المحكمة إلى أقوال الطفلين، أو مرافعة محاميهما، فضلًا عن تجاهلها جميع طلبات الدفاع.

 

ووثقت المبادرة المصرية، التي مثلت أحد الطفلين خلال المحاكمة، تعرضهما لقائمة من الانتهاكات منذ إلقاء القبض عليهما في 2024، انتهت بمحاكمتهما باتهامات "غير منطقية"، لا تتماشى مع تعريفات قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015. وأضافت أن الحكم المشدد صدر، رغم تقرير الأخصائي الاجتماعي المقدم للمحكمة بشأن عدم وجود سبب لانحراف أحد المتهمين، أو مخاوف منهما، وتوصيته بتسليمهما لذويهما.

 

وضمت القضية، التي حملت رقم 4240 لسنة 2024، عددًا من المتهمين الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة وقت القبض عليهم، ولم تتضمن أي متهمين بالغين، في حين تم نقل الطفلين المتهمين من محل سكنهما إلى ضاحية القاهرة الجديدة للعرض على نيابة أمن الدولة العليا، شأنهما في ذلك شأن البالغين، بدلًا من عرضهما على نيابة الطفل. وأفاد أمر الإحالة إلى المحاكمة بأن المتهمين في القضية أنشأوا واستخدموا موقعًا إلكترونيًا وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حساباتهم الشخصية، من أجل الترويج لأفكار تدعو للتجمهر، واستخدام العنف، وتحريض المواطنين على الامتناع عن إيداع أموالهم في البنوك، أو سداد الضرائب المستحقة عليهم.

 

وتابعت المبادرة أن الطفلين حُرما خلال فترة التحقيق من كل ضمانات حماية المتهمين الأطفال التي يكفلها قانون الطفل المصري، إذ اتهمت نيابة أمن الدولة الطفل الأول بتأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية، والطفل الثاني بالانضمام إلى جماعة إرهابية، فيما اتهمت الطفلين معًا بتمويل هذه الجماعة، والاشتراك في اتفاق جنائي لارتكاب جريمة إرهابية. وبحسب المادة الأولى من قانون مكافحة الإرهاب، فإن الجماعة الإرهابية هي "كل جماعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل".

 

 

وبدأت أولى جلسات المحاكمة في 18 نوفمبر الماضي، ولم تسمح المحكمة لفريق الدفاع بالحصول على نسخة من أوراق القضية، واكتفت بالسماح له بالاطلاع عليها سريعًا. لكن المحكمة استمعت إلى مرافعة ممثل الادعاء (وكيل نيابة أمن الدولة العليا)، التي تضمنت إشارات لاعترافات منسوبة لكلا الطفلين غير مثبتة بالأوراق التي اطلع عليها الدفاع، ولم ترد بمحاضر التحقيقات التي أتيحت له قراءتها.

 

وقررت المحكمة تحديد جلسة اليوم لإصدار حكمها، متجاهلة طلبات الدفاع الموضوعية كسؤال شاهد الإثبات، حيث قررت إنهاء نظر الدعوى والحكم فيها من دون الاستماع إلى مرافعة النيابة، أو استجواب الطفلين لسماع أقوالهما في ما نُسب إليهما من اتهامات. ومثل محامو المبادرة المصرية في المحاكمة الطفل محمد عماد، المتهم الثاني في القضية، وهو أميركي من أصل مصري يقيم مع عائلته في الولايات المتحدة، وألقي القبض عليه في 19 أغسطس 2024 من منزل أسرته، في أثناء قضائه إجازة الصيف في مصر.

 

ولم تتمكن الأسرة وقتئذ من معرفة سبب القبض عليه، أو مكان احتجازه، وظل رهن الإخفاء القسري لأكثر من أسبوعين. وظهر عماد في الخامس من سبتمبر 2024 أمام نيابة أمن الدولة، التي حققت معه للمرة الأولى والأخيرة، من دون مواجهته بأي أدلة على الاتهامات الموجهة إليه. واعتمدت النيابة في اتهامها على محضر تحريات واحد فقط حرره ضابط في جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وتعاملت مع فترة الإخفاء القسري التي تعرض لها عماد بوصفها فترة احتجاز قانونية، إذ أصدرت قرارًا يستند إلى المادة 40 من قانون مكافحة الإرهاب، التي تسمح بـ"التحفظ" على المتهمين لمدة تصل إلى 14 يومًا قبل العرض على النيابة للتحقيق.

 

وأغفلت النيابة نص المادة 41 من القانون نفسه، التي تكفل للمتهم حق الاتصال بذويه، والاستعانة بمحام خلال فترة التحفظ، وهو الأمر الذي حُرم منه عماد وأسرته، التي ظلت أكثر من أسبوعين لا تعلم مكان احتجاز طفلها. وأشارت المبادرة إلى أنه كان من المفترض صدور حكم ببراءة الطفلين بسبب عدم معقولية الاتهامات الموجهة إليهما، أو توفر أدلة قاطعة تدين أيًا منهما، إلى جانب قائمة الانتهاكات التي تعرضا لها بدايةً من القبض عليهما، ووصولًا إلى محاكمتهما.

 

وشددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن استمرار الملاحقة القضائية لطيف واسع من المواطنين، بمن فيهم الأطفال، تحت ذريعة "الإرهاب"، تظهر بجلاء إصرار أجهزة الدولة، بعد عشر سنوات على صدور قانون مكافحة الإرهاب المعيب، على معاقبة واضطهاد المواطنين، بدلًا من التصدي لخطر الإرهاب، ومعاقبة الجناة الحقيقيين الذين يعرضون الأطفال، وغيرهم من المواطنين، لخطر فعلي.

 

وتتزايد الانتقادات الحقوقية في مصر إزاء استمرار ملاحقة النساء والأطفال في قضايا ذات طابع سياسي، وسط تحذيرات من التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي ضد فئات تعتبرها منظمات المجتمع المدني "الأكثر هشاشة"، في ظل انتهاكات طاولت فتيات صغيرات السن وأطفال في محافظات عدة أخيرًا، ترافق بعضها مع حملات أمنية واعتقالات تعسفية.