أعربت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن بالغ إدانتها وقلقها الشديدين إزاء الحكم الصادر مؤخرًا بالسجن عشر سنوات بحق طفلين، بعد اتهامهما بتكوين وقيادة ما سُمّي بـ "جماعة إرهابية"، على خلفية مشاركتهما في لعبة إلكترونية هي "ببجي: باتل جراوندز"، مع استمرار احتجازهما منذ أغسطس 2024، فيما اعتبرته سابقة خطيرة تُجسّد تجريم الطفولة وتسييس القضاء الجنائي.

 

وأكدت الشبكة أن هذه الواقعة لا تمثل حالة فردية، إذ تشير معلومات موثقة إلى أن عددًا من الأطفال لا زالوا رهن الحبس الاحتياطي على خلفية المشاركة في ألعاب إلكترونية أو التفاعل داخل فضاءات رقمية افتراضية، وسط مخاوف جدية من صدور أحكام قاسية مماثلة بحقهم، بما يهدد مستقبل جيل كامل، ويكرّس نمطًا ممنهجًا من الانتهاكات بحق الأطفال.

 

وعددت الشبكة أوجه العوار التي تعتري محاكمة هؤلاء الأطفال، على النحو التالي:

 

أولًا: انحراف خطير في التكييف القانوني

 

شددت الشبكة المصرية على أن لعبة ببجي، شأنها شأن غيرها من الألعاب الإلكترونية، تظل نشاطًا رقميًا افتراضيًا لا ينشئ تنظيمًا حقيقيًا ولا يحقق أركان جريمة الإرهاب، لا من حيث الفعل المادي ولا القصد الجنائي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بأطفال يفتقرون بطبيعتهم إلى الإدراك القانوني والقدرة على تكوين نية إجرامية.

 

إن توصيف التفاعل داخل لعبة رقمية على أنه "تكوين وقيادة جماعة إرهابية" يُعد قياسًا قانونيًا معيبًا وإساءة جسيمة لاستخدام قوانين استثنائية.

 

ثانيًا: ازدواجية المعايير في التعامل مع محتوى العنف


أكدت الشبكة أن الدولة المصرية سمحت، على مدار عقود طويلة، بإنتاج وترويج أفلام ومسلسلات تتضمن مشاهد عنف مفرط واستخدامًا للأسلحة البيضاء والنارية، وجرى بثها للمواطنين دون قيود فعّالة، ولا تزال هذه المشاهد متداولة على مدار الساعة عبر منصات التواصل الاجتماعي. 

وقد شكّل هذا المحتوى أحد العوامل الرئيسة في تطبيع العنف وانتشاره بين صغار السن، وساهم في انهيار منظومة الردع المجتمعي وازدياد الجرائم باستخدام الأسلحة البيضاء، بما ترتب عليه مخاطر جسيمة على السلم المجتمعي.

وعلى الرغم من ذلك، أشارت الشبكة إلى أنه لم تُواجَه هذه الظاهرة بسياسات وقائية أو تربوية جادة، بينما جرى في المقابل معاقبة طفلين بالسجن بسبب مشاركتهما في لعبة رقمية داخل منزليهما أو عبر محال الإنترنت، في مفارقة صارخة تكشف ازدواجية المعايير في التعامل مع مصادر العنف الحقيقي والافتراضي.

 

ثالثًا: انتهاك صارخ لحقوق الطفل

 

أكدت الشبكة أن القبض على طفلين واحتجازهما ومحاكمتهما بعقوبة سالبة للحرية على هذا النحو يُعد جريمة بحق الطفلين وانتهاكًا واضحًا للدستور المصري وقانون الطفل واتفاقية حقوق الطفل، التي تُلزم الدولة بأن يكون الاحتجاز هو الملاذ الأخير ولأقصر مدة ممكنة، وأن تُقدّم التدابير الإصلاحية والتأهيلية على العقاب.

 

مطالب عاجلة

 

طالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بإلغاء الحكم الصادر بحق الطفلين والإفراج الفوري عنهما، والإفراج عن جميع الأطفال المحبوسين على خلفية المشاركة في ألعاب إلكترونية أو أنشطة رقمية مماثلة، ووقف استخدام قوانين مكافحة الإرهاب في قضايا الأطفال.

 

كما طالبت بإحالة أي وقائع تتعلق بالأطفال إلى قضاء الطفل المختص مع تطبيق تدابير غير سالبة للحرية، مشددة على ضرورة تبني سياسات تربوية وإعلامية مسؤولة للتعامل مع المحتوى الرقمي، بدلًا من المقاربة الأمنية العقابية.

 

وأوضحت الشبكة المصرية أن العدالة لا تتحقق بسلب الطفولة، وأن حماية المجتمع تبدأ بحماية أطفاله، لا بزجّهم في السجون تحت توصيفات قانونية لا تستقيم مع الواقع أو القانون.

 

واعتبرت أن حبس الأطفال بسبب ألعاب إلكترونية هو انتهاك جسيم وجريمة قانونية وأخلاقية، وأن حماية المجتمع لا تتحقق بتدمير مستقبل الأطفال، بل بإرساء العدالة، واحترام حقوق الطفل، ومعالجة أسباب العنف معالجة حقيقية لا انتقائية.