السنوسي بسيكري

رئيس المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات

 

شهد الاسبوع المنصرم تطورات وأحداث أمنية وعسكرية كبرى، كان أبرزها زيارة قائد الجيش الباكستاني للشرق، المشير عاصم منير أحمد شاه ، ووفاة رئيس أركان قوات الغرب الليبي الفريق محمد الحداد، ورفاقه، في حادثة سقوط طائرتهم بتركيا.

 

ولقد عسكت تلك الإحداث قلقا وجدلا فرض نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي، وفتح المجال لتكهنات لا تقل مضمامينها ودلالاتها أهمية أو خطورة.

 

جاءت زيارة قائد الجيش الباكستاني لمدينة بنغازي لتلقي بظلال على المشهد الأمني والعسكري والسياسي أيضا، إذ لا يمكن فصل التطور في علاقة الجيش الباكستاني بالقيادة العامة في الشرق عن التدافع المحموم بين جبهتي الغرب والشرق الليبي، كما أن الزيارة وما سيتعبها من تحولات، تعاود ترجيح العامل الأمني والعسكري في الصراع وتعطيه ثقلا أكبر، هذا على المستوى المحلي.

 

على الصعيد الخارجي، فإن التقارب بين الجبهة العسكرية بالشرق الليبي والجيش الباكستاني يدلل على على وقوع تغيير في اتجاهات جبهة الشرق، وربما يعكس تغيرا في كيفية التعاطي مع الحلفاء الدوليين (روسيا) والاقليميين (مصر والإمارات).

 

الجيش الباكستاني يفتح الآفاق في التعاون مع القيادة العامة التابعة لمجلس النواب، ومستعد للاتجاه إلى مقاربة استراتيجية في هذا الصدد، حسب تصريحات قائده، وهذا لا يكون إلا بعد إعادة تقييم العلاقة مع روسيا، الحليف العسكري الدولي لحفتر وقواته، وإن لم يكن لهذا التقارب مدلول مباشر وهو تغيير خارطة التحالفات مع الاطراف الدولية، فإنه سيكون على الاقل توجها لعدم الارتهان للروس.

 

مصادر عدة عزت التقارب بين القيادة العامة في الشرق والجيش الباكستاني إلى سياسة سعودية هي امتداد لتوجه أمريكي لمجابهة المشروع الروسي الإماراتي على الساحة الليبية، ومنها إلى بعض مناطق أفريقيا، ومثال السودان حاضر، وتصريحات الرئيس الأمريكي، دونلد ترامب، بخصوص السودان وأنهم يعملون على التعامل مع الوضع المأساوي هناك، ربما يفهم في سياق ما سبق الإشارة إليه.

 

من المرجح أن دخول باكستان على خط الأزمة الليبية لم يكن عفو الخاطر ولا تفكيرا ذاتيا مستقلا، فالتقييم الجيوستراتيجي يقلل من الأهمية التي تحتلها ليبيا بالنسبة لباكستان، وبالتالي فإن الاقتراب الباكستاني يمكن أن يكون في دائرة التنسيق مع الحلفاء الاقليميين والدوليين، الولايات المتحدة والمملكة السعودية، فالأولى تجد في حضور باكستان تحجيما لروسيا، والثانية ترى فيه سحبا للبساط من تحت أقدام الإمارات.

 

اللافت المقلق هو أن الملف الليبي يزداد تعقيدا مع ازدياد تأثير العامل الخارجي، وهذا بالأساس راجع إلى المنطق والتفكير المصلحي الضيق الذي يهيمن على الطبقة السياسية النافذة في المشهد الليبي.

 

وفاة رئيس أركان قوات الغرب، ورفاقه، تحول إلى مسرحا للخيال بل التوظيف المغرض، وطغت نظرية المؤامرة، حتى أن نشطاء بل ساسة تورطوا في أحكام نهائية تجير الحادث المريع والمؤلم لصالح تصفية حسابات، وذلك قبيل حتى صدور نتائج التحقيق.

 

من المقبول وضع سيناريو "الاغتيال" كأحد البدائل في التقييم المبدئي للحادث، دون التسرع في اعتماده كخيار راجح، مع ترك التقييم النهائي حتى الانتهاء من التحقيقات، والتي بدا الآن أنها تتجه إلى ترجيح الخلل الفني كسبب رئيس للحادث.

 

من ناحية أخرى، المنصب الشاغر، منصب رئيس الأركان، فتح الباب لسباق وتنازع ضمن الجبهة الغربية التي تتقاذفها أمواج الصراعات، وتتعدد فيها الكتل واللوبيات، ذلك أن المشهد ضمن جبهة الغرب الليبي يكشف عن وجود حضور مؤثر لأربع كتل هي: العاصمة، مصراتة، الزاوية، الزنتان، والتي يهمها أن يكون المنصب لها، وتكليف الفريق صلاح النمروش، آمر المنطقة العسكرية بالساحل الغربي، من قبل المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفق اتفاق الصخيرات، يصد الباب مؤقتا أمام التنافس على شغل المنصب، إلا إنه لن ينهيه، وهذا قد يكون سببا لمزيد من التفكك في جبهة الغرب.