في تصعيد خطير ينذر بانفجار الوضع العمالي في مدينة العاشر من رمضان، أعربت "دار الخدمات النقابية والعمالية" عن استنكارها الشديد لما وصفته بـ "الانتهاكات الجسيمة والممنهجة" التي تمارسها إدارة شركة "النساجون الشرقيون" ضد عمالها. وكشف بيان الدار الصادر اليوم، 28 ديسمبر 2025، عن فصل جديد من فصول الأزمة الممتدة منذ مطلع العام، حيث فوجئ ستة من كبار الفنيين والمشرفين بقرارات إيقاف تعسفية، في خطوة اعتبرها مراقبون ونشطاء نقابيون محاولة لكسر شوكة العمال المطالبين بحقوقهم المشروعة في الأمان الوظيفي والزيادات السنوية.

 

تعود تفاصيل الواقعة الأخيرة إلى صباح اليوم، حين مُنع ستة عمال – تتراوح مدد خدمتهم بين 18 و25 عامًا – من دخول مقر عملهم، وتم إبلاغهم بقرار الإيقاف رقم (89) لسنة 2025. وبررت الإدارة هذا القرار بالاستناد إلى المادة (145) من قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، موجهة لهم تهمًا مطاطة بـ "تحريض الزملاء"، وهي التهمة التي نفتها دار الخدمات جملة وتفصيلًا، مؤكدة أن الدافع الحقيقي هو نشاطهم في المطالبة بتحسين الأجور.

 

سيف الفصل المسلط: انتهاك للقانون وتصفية للخبرات

 

لم تكن قرارات الإيقاف التي طالت كلًا من (أحمد إبراهيم متولي، عماد عبد العزيز عطية، محمد أحمد محمد يوسف، حسن بدر محمد، وليد أبو الحسن النجار، وحمدي سامي علي) مجرد إجراءات تأديبية فردية، بل يراها خبراء العمل النقابي حلقة في سلسلة ممنهجة. فالعمال الموقوفون يشغلون مناصب حساسة كـ "فني ممتاز" ومشرفين في أقسام الفحص والصيانة، مما يشير إلى أن الإدارة تضحي بالكفاءات الفنية من أجل إرهاب باقي العمال.

 

وفي هذا السياق، يعلق كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، قائلًا: "ما يحدث في النساجون الشرقيون هو نموذج فج لاستغلال نفوذ أصحاب الأعمال في مواجهة الطرف الأضعف في علاقة العمل. إن استخدام المادة 145 من القانون الجديد بهذه الطريقة التعسفية ضد عمال أفنوا ربع قرن من عمرهم في خدمة الشركة يؤكد أننا أمام نية مبيتة للتخلص من القيادات العمالية الطبيعية التي تطالب بالحد الأدنى من الحقوق. الإدارة ترسل رسالة مفادها: (من يفتح فمه سيجد نفسه في الشارع)، وهذا السلوك يهدد السلم الاجتماعي في أكبر قلعة صناعية بمصر".

 

جذور الأزمة: النقل التعسفي والتهديد المباشر

 

لم يولد الاحتقان الحالي من فراغ، بل هو نتاج تراكمات بدأت في يناير 2025، حينما طالب العمال بزيادة العلاوة السنوية وتطبيق الحد الأدنى للأجور بمراعاة الأقدمية. وبدلًا من الحوار، واجهت الإدارة هذه المطالب بإجراءات عقابية قاسية. فقد سبق وأن أصدرت قرارات بإجازة مفتوحة لـ 38 عاملًا دون أسباب، ونقلت 34 آخرين من مصانع السجاد إلى مصانع الخيوط، في تغيير جوهري لطبيعة العمل يهدف لإجبارهم على الاستقالة أو ارتكاب أخطاء تؤدي للفصل.

 

وترى المحامية العمالية والناشطة الحقوقية رحمة رفعت، أن الإدارة تمارس ما يسمى بـ "التطفيش المقنن". وتقول رفعت: "قانونيًا، يُعتبر نقل العامل لعمل يختلف جوهريًا عن طبيعة عمله الأصلي ودون مبرر فني نوعًا من الفصل التعسفي المقنع. عندما تنقل فني سجاد محترف إلى مصنع خيوط، فأنت تضعه في بيئة عمل يجهلها لتصيد الأخطاء له. تحرير العمال لمحاضر في مكتب العمل هو الإجراء القانوني السليم لإثبات الحالة، لكن التهديدات التي ذكرها البيان عن لسان رئيس مجلس الإدارة بالفصل الفوري لأي احتجاج تُعد جريمة ترهيب يعاقب عليها القانون، وتكشف عن غياب لغة الحوار تمامًا".

 

غياب الرقابة الحكومية ومعركة القضاء

 

النقطة الأكثر إثارة للقلق التي أبرزها تقرير دار الخدمات هي غياب دور وزارة العمل. فرغم المذكرات الرسمية وتصريحات المسؤولين حول التفتيش الدوري في العاشر من رمضان، إلا أن شركات "النساجون الشرقيون" تبدو وكأنها "دولة داخل الدولة" بعيدة عن المساءلة. وقد دفع هذا الوضع العمال للجوء للقضاء، حيث رفع العاملان "مصطفى أحمد" و"حمدي العشري" دعاوى قضائية ضد قرارات النقل.

 

ويؤكد القيادي العمالي طلال شكر، المتخصص في شؤون التأمينات والمعاشات، أن: "غياب وزارة العمل عن المشهد هو الضوء الأخضر الذي يشجع إدارات الشركات على التمادي. الوزارة ليست مجرد وسيط، بل هي سلطة إنفاذ للقانون. ترك العمال فريسة لهذه الممارسات دون تدخل لتصويب الأوضاع أو حتى التفتيش الجدي يضع علامات استفهام كبرى حول انحيازات الوزارة".

 

من جانبه، يضيف وائل توفيق، الصحفي والناشط المهتم بالحركات العمالية، قائلًا: "نحن أمام سيناريو متكرر؛ أزمة اقتصادية تطحن العمال، ومطالب مشروعة تقابل بالقمع الإداري. ما يجري في (النساجون) يعكس خللًا هيكليًا في علاقات العمل في مصر عام 2025. هؤلاء العمال لم يطلبوا المستحيل، بل طلبوا العدالة في الأجر والعلاوة. لجوء الإدارة للتهديدات الأمنية والفصل المباشر يدل على ضعف موقفها القانوني والأخلاقي، ويستوجب تضامنًا واسعًا من كافة القوى المدنية والنقابية".

 

واختتمت دار الخدمات النقابية تقريرها بمطالب محددة لا تقبل التجزئة، وعلى رأسها عودة العمال الستة الموقوفين، وإلغاء قرارات النقل التعسفي، وفتح تحقيق وزاري عاجل. إن استمرار هذا الوضع لا يهدد فقط أرزاق مئات العمال، بل يضرب بعرض الحائط بمفهوم دولة القانون، ويؤكد الحاجة الماسة لمراجعة سياسات العمل التي باتت تسمح بانتهاك كرامة العامل المصري تحت مسمى "سلطة الإدارة".