لم تعد الأضواء والشهرة هي العوامل الحاسمة في اتخاذ القرارات المصيرية للاعبي كرة القدم، وذلك في عالم تتوحش فيه المادة وتهيمن على كل عناصر الحياة.

يتسق ذلك مع ما يشهده عالم الساحرة المستديرة حالياً من هجرة الكثير من النجوم نحو وجهة في جنوب شرق آسيا، تبدو غريبة للاعبين ليسوا في مرحلة نهاية مشوارهم الكروي، بل على العكس، فإنهم في قمة العطاء، لتنقلب المعادلة السابقة التي شهدت اعتزال النجوم في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، الخليج بشكل خاص، لتصبح الصين مصدر جذب هائل لنجوم الطراز الأول في عالم كرة القدم.

في الموسم الماضي على سبيل المثال لا الحصر، بدأت الصين في غزو الأندية الأوروبية، واقتنصت 3 لاعبين من المستوى الأول وهم الكولومبي جاكسون مارتينيز المنتقل إلى جوانجزو ايفرجراند الصيني من أتلتيكو مدريد الإسباني مقابل 42 مليون يورو، والبرازيلي راميريز من تشيلسي الإنجليزي إلى جيانجسو سونينج مقابل 28 مليون يورو، ومواطنه أليكس تيكسيرا المنتقل من شاختار دونيتسك الأوكراني مقابل 50 مليون يورو، إضافة إلى البرازيلي هالك لاعب شنغهاي.

وخلال الأيام الماضية، فوجئت الجماهير الإنجليزية بأنباء انتقال النجم البرازيلي أوسكار من البلوز إلى شنغهاي سيبج الصيني، مقابل 60 مليون يورو، في الوقت الذي يطارد فيه نادي جوانجزو ايفرجراند نجم تشيلسي الإسباني سيسك فابريجاس بعرض قيمته 40 مليون جنيه إسترليني.

ولم يتوقف الأمر عند اللاعبين، فقد اجتذبت السوق الصينية الكثير من المدربين العالميين وعلى رأسهم الفائز بكأس العالم الإيطالي مارسيلو ليبي، والبرازيلي سكولاري، كما كان الإيطالي مانشيني على وشك تدريب فريق هيبي فورتون الصيني في الصيف الماضي قبل أن تتعثر المفاوضات بين الطرفين، علماً بأن الفريق الذي يقوده مدرب مانشيستلر سيتي السابق التشيلي بيليجريني يضم بين صفوفه النجم  الأرجنتيني لافيتزي لاعب باريس سان جيرمان الفرنسي السابق، والإيفواري جيرفينيو النجم السابق لروما الإيطالي.

ومن المفارقات أيضاً أن فورتون الصيني يستعد لشراء النجم ميسي بعرض أسطوري يحصل من خلاله البرغوث على راتب سنوي قيمته 100 مليون يورو لمدة 5 سنوات.

تلك الصفقات التي تم بعضها بالفعل، ولا يزال البعض الآخر ينتظر وضع اللمسات النهائية عليها، دقت ناقوس الخطر لدى الكثير من مدربي الأندية، وكان على رأس هؤلاء الإيطالي كونتي مدرب تشيلسي.

وقال كونتي في تصريحات يبدو أنها تحذر من خطر التنين الصيني "السوق الصيني خطر على كافة الفرق في العالم".

ويبقى السؤال الذي من المؤكد أنه يدور في أذهان كثير من المهتمين بعالم كرة القدم وهو: كيف تُمول الصين تلك الصفقات المدوية وتتفوق في بعض الأحيان على عمالقة أوروبا في اجتذاب النجوم؟

الإجابة تمكن في عنصرين أساسيين: الرغبة السياسية، والقوة الاقتصادية.

على الصعيد السياسي، فإن الرئيس الصيني شي جين بينج من المشجعين الكبار لكرة القدم، ووفقاً للسياق الصيني فإن توجيهاته للأندية بجلب نجوم كبار كي تصبح من مصاف أفضل الأندية في العالم، تعتبر أوامر لا تُرد.

وفي نفس الوقت فإن الرئيس الصيني أعلن مشروعاً قومياً لخلق اقتصاد يقوم على الرياضة بقيمة 850 مليار دولار بحلول عام 2025، حيث يقوم المشروع الوطني على التخطيط لاستضافة نهائيات كأس العالم في الصين، ويعتبر وجود دوري قوي يضم نجوماً عالميين من الركائز الأساسية لنجاح الحلم.

على الجانب الآخر، فإن النهضة الاقتصادية العملاقة التي تشهدها الصين لعبت دوراً رئيسياً في تمكين أنديتها من شراء نجوم العالم والسعي وراء آخرين، وذلك في ظل أن معظم تلك الأندية مملوكة لشركات صينية عملاقة.

ولكن الجنون الصيني في الإنفاق لم يشتر النجاح حتى الآن، حيث يحتل المنتخب الصيني ذيل مجموعته الآسيوية المؤهلة لمونديال روسيا 2018.