بعد عشر سنوات من الفض الوحشي لاعتصام رابعة العدوية، لا تزال عائلات المختفين قسريًا تبحث عن أبنائها. وفي مقال لموقع "ميدل إيست آي"، يسلط الصحفي "أسامة جاويش" للضوء على حال عائلات "الأطفال" الذين فقدوا أثناء الفض.
ويقول "جاويش": "إنها السابعة والنصف مساءً، وفي عاصمة مصر المكتظة بشكل ميؤوس منه، ترن سمفونية المزامير والصفارات المتنافرة من الشوارع المزدحمة. وغمرت الأصوات هدير الأطفال الذين يلعبون كرة القدم وآذان المغرب".
وتابع: "لكن داخل منزل "بدرية السيد"، ساد صمت مخيف".
هذا المنزل في القاهرة، الذي كان مليئًا بالضحك الصاخب، غلبه الصمت منذ سنوات: قبل 10 سنوات بالضبط، رأت "بدرية" ابنها "عمر حماد" للمرة الأخيرة.
في صباح يوم 14 أغسطس 2013، شق "عمر"، البالغ من العمر 20 عامًا، طريقه إلى ميدان رابعة العدوية بالقاهرة ولا يتوقع العنف الذي كان على وشك أن يشهده.
دخلت حركة احتجاجية تطالب بإعادة رئيس مصر الأول المنتخب ديمقراطيًا "محمد مرسي"، أسبوعها السادس. ومع تضخم الاحتجاجات المطالبة بعودته، ظهرت مدينة خيام مترامية الأطراف. ذهب إليها العديد من أصدقاء "عمر" ليضيفوا أصواتهم ويدعموا الزعيم المنقلب عليه.
ولكن بعد شروق شمس ذلك اليوم المشؤوم، اكتظ الميدان بقافلة من المدرعات العسكرية، وأغلقت جميع المخارج الرئيسية للاعتصام.
وباستخدام العربات المدرعة والقناصة والذخيرة الحية، قتلت القوات المصرية ما لا يقل عن 817 شخصًا في رابعة و 87 آخرين في ميدان النهضة، بحسب هيومن رايتس ووتش. وأصيب العديد من المتظاهرين برصاصة في الرأس أو الصدر، بما في ذلك العديد ممن كانوا في أوائل سن المراهقة.
واندلع حريق هائل في الاعتصام وأُحرقت الخيام ومسجد رابعة العدوية القريب.
وقالت "بدرية" لموقع "ميدل إيست آي" بينما تقاوم دموعها وهي تروي الجهود الفاشلة لتحديد مكان ابنها.: "لقد كان كابوسًا دام عقدًا من الزمان". 
وتابعت: "الكلمات الأخيرة التي قالها لي كانت:" سأذهب يا أمي إلى المنزل. لا تقلقي. سأذهب فقط إلى هناك أطمئن على أصدقائي".

 

 متفائلة بالرغم من الصعاب
وتوضح "بدرية"، أنها سمعت في البداية من خلال أحد أصدقاء "عمر" أنه أصيب في كتفه واحتجزه الجيش خلال الحملة. ولكن بعد أن عجزت عن سماع أي أخبار عن ولدها من خلال الجيش، بذلت جهدًا طويلًا وشاقًا للعثور عليه، وزيارة المستشفيات والمشارح ومراكز الشرطة في جميع أنحاء البلاد.
وأوضحت أنه حتى تحليل الحمض النووي الذي أجرته على أمل التأكد من مكان وجود "عمر" أعطاها أملًا عندما جاءت النتائج سلبية.
وأضافت: "كان هذا أملًا حقيقيًا. "عمر" لم يمت بعد".
بعد أن أعلن "عبد الفتاح السيسي" فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2014، والتي تم إدانتها على نطاق واسع باعتبارها صورية، ذهبت "بدرية" إلى سجن العزولي عندما أن علمت أن ابنها محتجز في السجن العسكري شمال شرق القاهرة.
وتعتبر المنشأة سيئة السمعة، التي يشار إليها على نطاق واسع باسم "جوانتانامو المصري"، حيث غالبًا ما يتعرض الكثيرون للتعذيب حتى يتم إكراههم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
 وقالت "بدرية" إنها سمعت أثناء وجودها هناك من نزيل يدعى "عبد العزيز" أن ابنها محتجز. لكن بعد التواصل مع مسؤولي السجن للمساعدة، قالت إنها قوبلت بالنفي والسخرية.
واعتقدت لاحقًا أن سعيها الدؤوب قد أسفر عن تقدم كبير عندما تلقت مكالمتين هاتفيتين من رقم غير معروف.
 وأوضحت "بدرية"، أن الرجل الذي هاتفها عرّف عن نفسه بأنه الرائد "أدهم" من مقر الأمن الوطني الذي وعد بحل الأمر. ولكن بعد الحصول على معلومات عن "عمر" وانتماءاته السياسية لم يهاتفها مرة أخرى.
وفي وقت لاحق، قال ضابط في الأمن الوطني لها، إن "عمر" ذهب إلى سوريا، مرددًا ادعاءً كاذبًا قاله "السيسي" لبي بي سي في عام 2015 عن متظاهرين آخرين.


 حالات الاختفاء هي القاعدة الآن
 ويقول المحامي والباحث الحقوقي "حليم حنيش"، إنه "لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المختفين قسريًا، سواء في يوم مجزرة رابعة أو بعده".
ووثق مرصد حقوق الإنسان ومقره لندن أكثر من 400 حالة لأشخاص اختفوا من الساحتين، لكنه يعترف بأن العدد ربما يكون أعلى من ذلك بكثير.
 وقد قارن "حنيش"، الذي يتابع القضية عن كثب، الوضع في مصر بالوضع في الأرجنتين بعد انقلاب عام 1976 بقيادة الجنرال "خورخي فيديلا".
وقال لموقع "ميدل إيست آي": "المسألة أكثر خطورة في مصر. الاختفاء القسري أصبح الآن إجراءً معتادًا".
وأضاف "حنيش": "أكثر من 90-95 بالمائة من المعتقلين تعرضوا لجريمة الاختفاء القسري".
وعلى غرار حالات الأمهات الأرجنتينيات اللائي تظاهرن للحصول على إجابات فقط ليتم اختطافهن، تم استهداف الآباء والأمهات المصريات أيضًا بسبب التحقيق في مصير أطفالهم.
ولم يتوقف المحامي والحقوقي "إبراهيم متولي"، الذي اختفى نجله "عمرو متولي" قسريًا بعد مذبحة رابعة في مطار القاهرة عام 2017 قبل أن يستقل طائرة متوجهة إلى جنيف، عن البحث عن ابنه، بحسب زوجته "سناء أحمد".
وقالت "سناء": "أريد ابني حتى لو مات. لدي الحق في زيارة قبره".

 

 "أنا فقط أريد عودة ابني"
 في الواحدة صباحًا يوم 14 أغسطس 2013، جلست "سناء" مع ابنها في إحدى الخيام في رابعة حيث تناولا وجبتهما الأخيرة معًا. وبعد ساعات، أطلق الجيش المصري النار، ومنذ ذلك الحين، أصبح مصير "عمرو" غامضًا.
وتمامًا مثل "بدرية"، كانت "سناء" تتشبث بالأمل في أن ابنها على قيد الحياة. وتقول "سناء": "أريد فقط أن يعود ابني".
وتقول مؤسسة الشهاب لحقوق الإنسان، إن عدد حالات الاختفاء القسري تجاوز 15 ألفًا منذ يوليو 2013، وهو رقم تنفيه الحكومة المصرية بشكل قاطع.
وبحسب "حنيش"، فإن العقبة الرئيسية أمام العائلات تتمثل في أن مصر لم تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وأن قوانينها المحلية لا تعرف أو تجرم الاختفاء القسري بشكل صحيح.
تنص المادة 54 من الدستور المصري على أنه "لا يجوز" القبض على الأفراد أو حبسهم دون أمر قضائي. وتضيف المادة أن المعتقلين يجب تمكينهم على الفور من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم. ويجب أن يمثلوا أمام سلطة التحقيق في غضون 24 ساعة من وقت تقييد حريته / حريتها.
وأشار "حنيش" إلى أنه بينما كانت مصر طرفًا في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فإن "توقيع مصر على الاتفاقية الأخرى بشأن الاختفاء القسري شرط أساسي لتحقيق العدالة".
وتواصل موقع "ميدل إيست آي" مع وزارة الخارجية المصرية والسفارة المصرية في لندن للتعليق، لكنه لم يتلق ردًا حتى وقت النشر.

https://www.middleeasteye.net/news/egypt-rabaa-massacre-families-dark-over-fate-missing-children