تشير التحليلات الدولية إلى أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول تحقيق انتصارات "شكلية" من خلال عمليات الاغتيال التي ينفذها في قطاع غزة ولبنان، في محاولة للتغطية على فشله في إدارة الحرب التي اندلعت منذ أكثر من 11 شهراً. هذه الاغتيالات، التي تستهدف قيادات بارزة من حزب الله وحركة حماس، تثير تساؤلات حول فعاليتها ومدى تأثيرها على تحقيق الأهداف التي أعلنها نتنياهو منذ بداية الحرب. فشل الحرب وامتدادها الزمني منذ اندلاع العدوان على غزة في 7 أكتوبر الماضي، أعلن نتنياهو أن الحرب ستمتد لأسابيع، قبل أن تتجاوز التوقعات وتستمر حتى مطلع عام 2024. ومع استمرار العمليات العسكرية، بات من الواضح أن الأهداف التي أعلنها نتنياهو، مثل القضاء على حماس، إطلاق المحتجزين وضمان أمن إسرائيل، لم تتحقق. بل أعلن في سبتمبر 2024 عن توسيع أهداف الحرب لتشمل إعادة سكان شمال إسرائيل الذين نزحوا بسبب هجمات حزب الله. تزامن توسيع الأهداف مع ضغوط من المجتمع الدولي وتحذيرات من شخصيات بارزة مثل المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين، الذي أكد أن العملية العسكرية الواسعة في لبنان لن تحقق النتائج المرجوة. ورغم هذه التحذيرات، أصر نتنياهو على إطلاق العمليات في لبنان. اغتيالات القادة: سياسة شكلية أم استراتيجية فعّالة؟ تشكل الاغتيالات الأخيرة، بما في ذلك استهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، محاولات إسرائيلية لتقديم إنجازات ملموسة للشعب الإسرائيلي وسط تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية. إلى جانب نصر الله، استهدفت إسرائيل قادة من حركة حماس، بما في ذلك إسماعيل هنية وصالح العاروري، وهي عمليات شملت قادة المقاومة المقيمين في بلدان أخرى كلبنان وإيران. ورغم النجاحات الظاهرية لهذه الاغتيالات، إلا أن محللين دوليين يعتبرون أن تأثيرها "مؤقت" وغير حاسم. فقد نشرت صحيفة "التليغراف" البريطانية تقريراً يفيد بأن هذه الاغتيالات لن تؤدي إلى ردع حزب الله أو حماس على المدى الطويل، وأن قادة جدد سيظهرون ليملؤوا الفراغ الذي تتركه تلك الاغتيالات. إضافة إلى ذلك، أكدت وكالة "تسنيم" الإيرانية تعليقاً على اغتيال نصر الله أن المقاومة اللبنانية والإيرانية ستستمر في تجديد قادتها وأن سياسة اغتيال القادة لن تؤدي إلى تفكك التنظيمات المقاومة. ردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية في إسرائيل، حظيت الاغتيالات بإشادة واسعة من السياسيين والمؤسسات الأمنية والإعلام، الذين رأوا في هذه العمليات حلاً لمشاكل الحرب المستمرة. غير أن هذه الإشادة قوبلت بتحديات من قبل الفصائل المقاومة في غزة ولبنان. فقد أكدت حركة حماس في بيان لها أن اغتيال القادة لن يوقف المقاومة، وأن إسرائيل "تتوهم" بأنها ستحقق انتصاراً خيالياً من خلال هذه السياسة. كما صرّح نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، خليل الحية، بأن حسن نصر الله "ترك خلفه رجالاً أشداء سيواصلون المسير نحو القدس". وأكد أن حركة حماس ستظل متمسكة بخيار المقاومة رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها. وهم الانتصار والمستقبل الغامض تذهب بعض التحليلات، مثل تحليل الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة "هآرتس"، إلى أن الاغتيالات، لا سيما حين تكون بمثل هذه الوتيرة المتسارعة، لا تخدم أي غرض سياسي حقيقي ولا تقدم فائدة طويلة الأمد. بل يشير ميلمان إلى أن هذه التكتيكات قد تؤدي على المدى البعيد إلى زيادة العنف بدلاً من إنهائه. ويرى المحللون أن نتنياهو يحاول من خلال هذه العمليات الاغتيالية تحقيق انتصارات سريعة لتخفيف الضغط الداخلي والخارجي، لكنه يغفل عن أن اغتيال القادة لا يعني بالضرورة تفكك التنظيمات. فعلى سبيل المثال، اغتيال عباس الموسوي في عام 1992 لم يقضِ على حزب الله، بل أسفر عن ظهور حسن نصر الله، الذي تمكن من قيادة التنظيم إلى نجاحات كبيرة. الوضع نفسه يتكرر في غزة، حيث إن اغتيال إسماعيل هنية لم يمنع حماس من اختيار يحيى السنوار رئيساً جديداً لمكتبها السياسي، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة تصعيدية من المقاومة ضد إسرائيل. هل تغطي الاغتيالات الفشل الاستراتيجي؟ في النهاية، تبقى عمليات الاغتيال التي ينفذها نتنياهو في لبنان وغزة تكتيكاً غير حاسم قد يوفر له بعض الوقت ويخفف من حدة الضغوط السياسية والاقتصادية عليه. لكن هذه العمليات لن تحقق الأهداف الاستراتيجية التي يسعى إليها. فالتنظيمات المقاومة أثبتت مراراً أنها قادرة على تجديد قياداتها والحفاظ على تماسكها حتى في أصعب الظروف. ومع استمرار القصف الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين، وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة ولبنان، يبدو أن الصراع بين إسرائيل وحزب الله وحماس سيظل مستمراً، وقد يتمخض عن نسخ جديدة وأكثر تطوراً من المقاومة. على ضوء هذه التطورات، يبقى مستقبل الصراع غامضاً، في ظل انعدام أفق سياسي للحل واعتماد إسرائيل على سياسة الاغتيالات كأداة رئيسية في إدارة أزمتها المتفاقمة.