ممدوح الولي
خبير اقتصادي ورئيس نقابة الصحفيين الأسبق
اقترن تراجع معدلات التضخم في العلم العام الماضي بزيادة قرارات خفض أسعار الفائدة، التي اتخذتها البنوك المركزية في دول العالم، إلى 195 قرارا مقابل 31 قرارا برفع أسعار الفائدة، وهو أمر مخالف لما كانت عليه قرارات تحريك سعر الفائدة في دول العالم في العام الأسبق، والذي تم خلاله اتخاذ 161 قرارا برفع الفائدة مقابل 84 قرارًا بخفضها.
وكانت التوقعات تشير إلى استمرار البنوك المركزية في مسار الخفض التدريجي لأسعار الفائدة في العام الحالي، إلا أن الإجراءات التي يتوقع أن يتخذها الرئيس الأمريكي ترامب، من فرض رسوم جمركية وخفض الضرائب وترحيل العمالة المخالفة، من شأنها التسبب في ارتفاع معدلات التضخم بالولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى إبطاء خفض الفائدة وانعكاس ذلك على دول العالم، خاصة الدول التي تنتهج سياسة سعر الصرف الثابت المرتبط بالدولار الأمريكي.
وكان العام الماضي قد شهد انخفاض أسعار الفائدة في 78 دولة، مقابل ارتفاعها في 31 دولة بالمقارنة بما كانت عليه بنهاية عام 2023، مع ثبات سعر الفائدة في 32 دولة. ومن أبرز الدول التي خفضت سعر فائدة الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث مرات، في سبتمبر بنسبة نصف في المئة ثم في نوفمبر وديسمبر بواقع ربع في المئة في كل منهما، لتنخفض الفائدة من نطاق ما بين 5.25 و5.5 في المئة بنهاية العام الأسبق، إلى 4.25 و4.5 في المئة بنهاية العام الماضي.
وتسبب انخفاض سعر الفائدة الأمريكية في انخفاض الفائدة في السعودية ثلاث مرات إلى 5 في المائة، والكويت إلى 4 في المائة، والبحرين مرتين إلى 5.25 في المئة، وقطر إلى 5.1 في المئة، وسلطنة عمان إلى 5 في المائة، والأردن ثلاث مرات إلى 6.5 في المائة.
الين اليابانى يخالف فائدة العملات الرئيسية
كما انخفضت فائدة كل من اليورو -عملة عشرين دولة أوروبية- والجنيه الإسترليني والفرنك السويسرى، وفائدة عملات كل من السويد والمغرب وكوريا الجنوبية والصين، مرتين إلى 3.1 في المئئة، وكندا خمس مرات، وهونج كونج وجنوب أفريقيا وشيلى وباكستان وإسرائيل، وكانت أبرز الانخفاضات لفائدة العملة الأرجنتينية من 133 في المئة إلى 32 في المئة، وزيمبابوى من 130 في المئة إلى 35 في المئة، وباكستان من 22 في المئة إلى 13 في المئة.
وعلى الجانب الآخر، ارتفعت فائدة الليرة التركية من 42.5 في المئة إلى 47.5 في المئة، والجنيه المصري من 19.25 في المئة إلى 27.25 في المئة، والنيرا النيجيرية من 18.75 في المئة إلى 27.5 في المئة، والروبل الروسي من 16 في المئة إلى 21 في المئة، والريال الإيرانى من 18 إلى 23 في المئة، والليرة اللبنانية من 7.75 في المئة إلى 20 في المئة، إلا أنه من أهم العملات التي زادت الفائدة عليها الين الياباني رغم ضآلة التغير، من سالب واحد بالألف إلى 0.25 في المئة عبر زيادتين.
وسعت بعض البلدان إلى خفض سعر الفائدة على عملتها مثل أوكرانيا، التي خفضت الفائدة ثلاث مرات بنسبة نصف في المئة لكل منها، إلا أن تدهور الوضع على جبهة القتال وانعكاسه الاقتصادي دفعها لرفع سعر الفائدة بنسبة نصف في المئة بعد ذلك، كما قامت البرازيل بخفض الفائدة ثلاث مرات، لكنها عدلت المسار إلى رفع الفائدة ثلاث مرات في الثلث الأخير من العام، واتخذت الفائدة على الليرة التركية مسارًا معاكسا بزيادتها مرتين في الربع الأول من العام، ثم خفضها فيي الشهر الأخير من العام، وزادت كينيا الفائدة في الشهر الأول من العام ثم قامت بخفضها ثلاث مرات.
وظلت الفائدة ثابتة في دول مثل: بربادوس عند 2 في المئة، وماليزيا والجزائر وليبيا عند 3 في المئة، وفيتنام 4.5 في المئة، والجابون 5 في المائة، وإندونسيا عند 6 في المئة، والهند 6.5 في المئة، وإثيوبيا 7 في المائة، وتونس 8 في المئة، وبيلاروسيا ومدغشقر 9.5 في المئة، وسورينام 10 في المائة، وغينيا 11 في المئة وهاييتي 17 في المئة، والكونغو 25 في المئة.
فائدة حقيقية سلبية في 35 دولة
وتشير معدلات الفائدة المرتفعة إلى وجود مشاكل اقتصادية أبرزها معدلات التضخم المرتفعة، أو اضطراب سعر الصرف، حيث يتم اللجوء إلى رفع الفائدة لسحب السيولة من أيدي الجمهور لإيداعها في البنوك والاستفادة بالعائد المرتفع، كذلك إيجاد فارق أعلى للعائد على العملة المحلية، يشجع حائزي العملات الأجنبية على التخلص منها وتحويلها إلى العملة الوطنية للاستفادة بفارق سعر الفائدة المرتفع.
إلا أن الفائدة المرتفعة لها آثارها السلبية من ارتفاع تكلفة التمويل للشركات، والحكومات بما يسببه ذلك من زيادة عجز الموازنة، وتقليص الاستثمار بما له من آثار سلبية على النمو والتشغيل، وصعوبات اقتراض الأفراد، والأثر السلبي على البورصات وعلى الأسواق بتراجع المبيعات والركود.
ويرتبط بذلك كون معدل الفائدة أقل من معدل التضخم مما يجعلها واقعيا فائدة سلبية، حيث لا يستطيع سعر الفائدة تعويض نسبة التآكل في القيمة الشرائية للنقود والتي تعبر عنها نسبة التضخم. وفي نهاية العام كانت هناك 26 دولة فيها فائدة سلبية بالإضافة إلى تسع من دول اليورو ليصل الإجمالي 35 دولة، وهو ما يعنى أن غالبية دول العالم فيها فائدة موجبة، وكانت الفائدة موجبة في غالبية الدول العربية مثل السعودية وقطر والبحرين والكويت وتونس والأردن وليبيا ومصر مؤخًرا.
ومن أعلى تلك الفوارق بين الفائدة والتضخم كانت الأرجنتين بنسبة 134 في المئة، كفرق بين فائدة 32 في المئة وتضخم 166 في المئة، كما يصل الفارق إلى 95 في المئة بجنوب السودان كفارق بين فائدة 12 في المئة وتضخم 107 في المئة، و24.75 في المئة بكوبا، و22.5 في المئة بزيمبابوي، و12.9 ببروندي، و11.5 في المئة بإيران، و10 في المئة بإثيوبيا. ومن دول اليورو التي يزيد فيها التضخم عن سعر الفائدة: هولندا وإسبانيا وبلجيكا وقبرص والبرتغال وكرواتيا وسلوفاكيا.
رسوم ترامب تدفع لفائدة للارتفاع
ويظل السؤال الرئيس حول توقعات مسار الفائدة في العام الحالي، خاصة مع توقع صندوق النقد الدولي استمرار تراجع التضخم سواء بالدول المتقدمة أو بالدول النامية، حيث كان المتوقع استمرار تراجع أسعار الفائدة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وإنجلترا، بل وقيام البنوك المركزية بعدد 124 إجراء خفض لأسعار الفائدة خلال العام، وكان الاستثناء البارز هو توقع استمرار رفع الفائدة في اليابان.
لكن تهديدات الرئيس الأمريكي ترامب بفرض رسوم جمركية على كل من الصين والمكسيك وكندا، وتهديده لأوروبا بفرض رسوم جمركية إذا لم تزد شراء النفط والغاز الأمريكي، وتهديده لدول بريكس التي انضمت لها إندونيسيا مؤخرا، بالالتزام باستخدام الدولار وإلا فسوف تواجه برسوم جمركية بنسبة مائة في المئة، الأمر الذي جعل مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا تتوقع أن تسبب تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية ارتفاع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل بجميع أنحاء العالم، وتعطيل سلاسل التوريد وإبطاء النمو الاقتصادي ودفع الأسعار إلى الارتفاع، وهو ما سيدفع أسعار الفائدة عالميا إلى الارتفاع.
كما ستؤدى قوة الدولار إلى زيادة تكاليف التمويل في الدول الناشئة خاصة منخفضة الدخل، وواكبت تلك التحذيرات الزيادة الحادة في عوائد السندات في معظم أنحاء العالم مؤخرا، إلى جانب الارتفاع بقيمة الدولار الأمريكي، وفي أوروبا الضغط الشديد على النمو وتباطؤ أوضاع سوق العمل وتوقع ضعف اليورو ليكافئ الدولار، إلى جانب المنافسة الصينية لأوروبا في الصناعات الرئيسية.
وجاءت بيانات التوظيف الأمريكية الأخيرة وزيادة فرص العمل بـ2.2 مليون وظيفة خلال العام الماضي مقابل 3 ملايين وظيفة في العام الأسبق، وانخفاض البطالة إلى 4.1 في المئة، لتدفع بنك أوف أمريكا إلى الإعلان عن أنه كان يتوقع سابقا تخفيضين أمريكيين للفائدة بمقدار ربع نقطة لكل منهما هذا العام، لكنه لم يعد يتوقع أي تخفيضات بل أشار إلى وجود خطر أن يكون التحرك التالي رفعًا لأسعار الفائدة.
وبينما كان بنك سيتي غروب أكثر تفاؤلا بحدوث تخفيضات للفائدة الأمريكية العام الحالي، إلا أنه عدل توقعاته لبدء الخفض من الشهر الأول من العام إلى الشهر الخامس، كما عدل غولدمان ساكس توقعه للخفض للفائدة من ثلاثة تخفيضات إلى تخفيضين.