أعلنت حكومة الانقلاب عن حزمة مبادرات تمويلية بقيمة 30 مليار جنيه (نحو 600 مليون دولار) لمساعدة المصنعين بالقطاع الخاص لشراء الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج. كما أعلنت وزارة المالية أن التسهيلات التمويلية ستُخصّص للقطاعات “ذات الأولوية”.
وتحاول الحكومة الحد من هروب الشركات المصرية إلى خارج الدولة وخاصة الدول الخليجية كالإمارات والسعودية، والتي زاد عدد الشركات المصرية التي سجلت فيها هروبًا من واقع الاستثمار السيء في مصر إلى آلاف الشركات.
وفي تقدير حديث لغرفة تجارة دبي، بلغ عدد الشركات المصرية المسجلة بعضوية الغرفة 4837 شركة بنسبة نمو 63.2% خلال عام 2023 وحده، لتحتل بذلك المركز الثالث بعد الشركات الهندية والباكستانية بقائمة جنسيات الشركات الجديدة.
قصة من الواقع
ويحكي المهندس هشام إبراهيم وشقيقه عمر - قبل أسابيع من تفكيك مصنعهما للإنشاءات المعدنية – كيف سارعا للانتهاء من كل الأمور المتأخرة قبل نقل أعمالهما إلى خارج مصر.
وكشف إبراهيم أنه حصل على ترخيص للعمل بالسعودية، إذ يسعى لنقل أعماله بعيدًا عما يسميها عقبات بيروقراطية بلغت حدًا يصعب الاستمرار معه.
وذكر أن الحصول على ترخيص في مصر يستغرق وقتًا طويلًا وإجراءات معقدة لتوفيق الأوضاع، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".
وأشار إبراهيم إلى تعرضه لخسائر متتالية بسبب ارتفاع نفقات التشغيل، وعدم استقرار قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، بالإضافة إلى ما سماها “سياسة الجباية”. ويكشف إبراهيم أنه كان ينوي “توسيع النشاط” بالخارج، لكن انتهى الأمر إلى قراره بالرحيل، بينما أبدى عمر، المسؤول المالي بالمصنع، أسفه لمصير عشرات العمال قائلًا: “ما باليد حيلة”.
لم يكن مصنع الأخوين إبراهيم سوى حالة واحدة من نماذج متزايدة كشف عنها رئيس البنك الأهلي محمد الإتربي في حوار مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عندما تحدث عن هروب 2360 شركة من مصر للإمارات خلال عام 2024.
المرتبة الثالثة
وفي تقدير حديث لغرفة تجارة دبي، بلغ عدد الشركات المصرية المسجلة بعضوية الغرفة 4837 شركة بنسبة نمو 63.2% خلال عام 2023 وحده، لتحتل بذلك المركز الثالث بعد الشركات الهندية والباكستانية بقائمة جنسيات الشركات الجديدة.
وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن القطاع الخاص في مصر يواجه حالة من “عدم اليقين”، موضحًا أن القطاع الخاص يشعر بالقلق في مواجهة سيطرة حكومية على أغلب الأنشطة الاقتصادية، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".
وضرب عبد المطلب مثالًا بـ”وثيقة ملكية الدولة” التي تعهدت بها الحكومة لصندوق النقد الدولي ضمن خطة تخارجها من الأنشطة الاقتصادية بداية من عام 2021، وكان يفترض أن ينتهي التنفيذ بداية عام 2024 “وهو ما لم يحدث”، على حد قوله.
واتجهت العديد من الشركات المصرية نحو الأسواق العربية، وكانت أبرز وجهات المستثمرين هي السعودية والإمارات، واستحوذت الشركات المصرية على أكثر من 25% من إجمالي التراخيص الاستثمارية بالسعودية خلال السنوات الثلاث الماضية.
وشهد عام 2023 نموًا ملحوظًا بعدد التراخيص المصدرة لشركات مصرية، إذ بلغ 1895 ترخيصا، بزيادة 217 ترخيصًا مقارنة بعام 2022، وفقًا لبيانات صادرة عن وزارة الاستثمار السعودية.
ونتيجة للتسهيلات الاستثمارية، والإعفاءات الضريبية، وتوفير البنية التحتية المتطورة، بدأت الشركات كما يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، تبحث عن بيئة أخرى مناسبة تقلل معها تكاليف التشغيل وتقدم منتجًا تنافسيًا.
وتأكيدًا لوجود “عقبات”، قال خليفة عنتر، صاحب مصنع للأثاث المنزلي، إنه كان يحقق أرباحًا كبيرة، لكن ارتفاع سعر الدولار ضاعف تكلفة الأخشاب المستوردة، وترك أثرًا سلبيًا على الأسعار، مما سبّب ركودًا واسعًا بحركة البيع وضاعف الخسائر.
وأشار عنتر إلى أن تكاليف التشغيل الأخرى، من كهرباء ومياه وتراخيص وضرائب، كفيلة بتوقف النشاط.
وذكر أنه جاء لمنطقة “درب البرابرة” في العاصمة القاهرة من دمياط، حيث مدينة الأثاث ذات الشهرة العالمية، هربًا من الخسائر.
وقال عنتر إن “التسهيلات التي تعلنها الحكومة مجرد كلام”، على حد تعبيره. وأوضح أنه ينتج حاليًا “الأثاث الشعبي” رخيص الثمن للتغلب على الركود لافتًا إلى أنه يخطط لنقل نشاطه إلى ليبيا رغم المخاطر الأمنية هناك.
وخلافا لذلك قال أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، مساعد وزير الخارجية الأسبق جمال بيومي، إن مصر من أكثر الدول العربية جذبًا للاستثمارات، رغم وجود معوقات بيروقراطية، مشيرًا إلى أن السعودية والإمارات هما الأكثر استثمارًا في مصر.
وأضاف بيومي أن العرب عمومًا يستثمرون أموالهم خارج المنطقة بسبب “قصور القدرة الاستيعابية للاقتصادات العربية”، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص يعاني على كل المستويات، وتابع: “في أوروبا وأمريكا يمكن أن تبدأ استثماراتك بالتليفون”.
ضياع ثقة المستثمر المحلي
بدوره قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إن الحكومة مطالبة بخطة واضحة لاستعادة ثقة المستثمر المحلي من خلال حزمة تشريعات وتسهيلات حقيقية، وخصوصًا في ملف الضرائب، معتبرًا أن طريقة التعامل مع القطاع الخاص تبعث برسائل واضحة للمستثمر الأجنبي.
ولا يستبعد الخبير المصرفي محمد عمران في اتجاه بعض المستثمرين لتحويل التسهيلات التمويلية نحو الودائع ذات العائد المرتفع بدلًا من التصنيع والإنتاج، ورأى أن هيمنة الأجهزة الحكومية والسيادية على 80% من النشاط الاقتصادي تكرس صعوبة المنافسة. وأضاف: “هي أخطاء حكومية ليس للمستثمر يد فيها”.
وحسب تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب فقد جذبت مصر استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 46.1 مليار دولار خلال العام المالي 2023-2024، فيما تستهدف الحكومة مضاعفة حجم الاستثمارات الأجنبية في السنة المالية 2024-2025.