شهدت السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية جذرية في مصر انعكست بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بميزانية الأسرة المصرية التي باتت عاجزة عن مواجهة الاحتياجات الأساسية مع تزايد موجات التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق.
في ظل هذه الظروف، أصبح النقاش حول تكاليف المعيشة حديث الساعة في الشوارع المصرية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث يعاني المواطنون من فجوة متزايدة بين الدخل والاحتياجات الضرورية.
 

ارتفاعات قياسية في الأسعار
   تشير الإحصائيات إلى أن أسعار المواد الغذائية قفزت بنحو 200% خلال الفترة التي ارتفع فيها سعر صرف الدولار من 6 جنيهات إلى 24 جنيهاً، وهو ما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر المصرية.
ومع تجاوز الدولار حاجز الـ50 جنيهاً في الوقت الحالي، تفاقمت الأزمة وازدادت أسعار السلع الأساسية والخدمات، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتزايد السيولة النقدية في الأسواق.

ورغم المحاولات الحكومية لتخفيف الأعباء عبر توفير معارض سلع بأسعار مخفضة، إلا أن المواطنين يعبرون عن خيبة أملهم من عدم وجود فارق ملحوظ بين أسعار هذه المعارض والأسواق العادية، مما زاد من التحديات اليومية التي تواجهها الأسر المصرية.
 

تكيف الأسر مع الأزمة.. تخفيض الإنفاق والاستغناء عن الكماليات
   مع الارتفاع الحاد في الأسعار، اضطرت الأسر المصرية إلى تغيير أنماط إنفاقها، حيث استغنى الكثيرون عن شراء بعض المنتجات الغذائية مثل اللحوم والفواكه، وتقليل استهلاك الكهرباء لتخفيف أعباء الفواتير.

ويقول شريف السيد، وهو موظف متقاعد: "كنت أشتري احتياجاتي بـ7 آلاف جنيه شهريًا، والآن بالكاد أحصل على نصفها مقابل 14 ألف جنيه، ورغم ذلك لا أستطيع تغطية كل المتطلبات."

من جانبها، تشير مرفت أحمد، وهي ربة منزل، إلى أن أسرتها تحتاج ما لا يقل عن 30 ألف جنيه شهريًا لتغطية الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الغذاء، وفواتير الخدمات، والعلاج، وهو ما يفوق بكثير دخلها وزوجها المتقاعد.
 

السكن والتعليم.. أعباء إضافية ترهق الأسر
   لا تقتصر الأعباء على ارتفاع أسعار الغذاء، بل تمتد إلى تكاليف السكن والتعليم. فالإيجارات تشكل نسبة كبيرة من دخل الأسر، خاصة مع ارتفاع الأسعار في ظل الطلب المتزايد.
ويؤكد الخبراء أن توفير مساكن بإيجارات معقولة من قِبل الدولة يمكن أن يخفف من معاناة الأسر، خاصة أصحاب الدخل المحدود.

أما التعليم، فهو بند آخر يزيد من الأعباء المالية، حيث تواجه الأسر تكاليف مرتفعة سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة.
وتختلف الميزانية الشهرية للأسرة وفقًا لعدد أفرادها ومستوى التعليم الذي يحصل عليه الأبناء، مما يجعل التخطيط المالي أكثر تعقيدًا.
 

التضخم ومستقبل الأسعار
   يرى الخبراء الاقتصاديون أن التضخم الذي تراجع من 40% في عام 2024 إلى 23% حاليًا، لا يزال مرتفعًا، لكن هناك توقعات باستمرار انخفاضه إلى 15% خلال 2025 إذا استمرت السياسة النقدية المتشددة للبنك المركزي.
ومع ذلك، لا يزال تأثير التضخم على الأسر المصرية كبيرًا، حيث تُستهلك معظم الرواتب في الاحتياجات الأساسية دون القدرة على الادخار أو تحقيق مستوى معيشة مستقر.
 

ردود فعل غاضبة وسخرية على مواقع التواصل
   وسط هذه الأزمة، تفاعل المصريون بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، معبرين عن استيائهم من تدهور الأوضاع المعيشية. بعضهم عبر عن معاناته بشكل جاد، فيما لجأ آخرون إلى السخرية، وهو أسلوب لطالما ميز المصريين في مواجهة الأزمات.
كتب أحد المواطنين على "فيسبوك": "المعيشة أصبحت مستحيلة.. 20 ألف جنيه في الشهر لا تكفي، والحكومة صامتة وكأنها لا ترى معاناة الشعب!"

وفي المقابل، أشعلت تصريحات أستاذة الاقتصاد المنزلي بجامعة حلوان، التي قالت إن 3 آلاف جنيه تكفي أسرة مصرية شهريًا، موجة من الجدل والغضب بين المواطنين، معتبرين أن هذه التصريحات بعيدة تمامًا عن الواقع.