إزالة الديكتاتور لا تعني بالضرورة تحقيق الديمقراطية، كما أثبتت تجارب العراق وليبيا ومصر، حيث تحولت نشوة التغيير إلى فوضى وقمع وإراقة دماء.

لم ينهِ تشكيل الحكومة السورية الجديدة دوامة العنف، بل استمرت أعمال القتل والاغتيالات والمجازر، لا سيما في منطقة الساحل، حيث استهدفت الفصائل الحاكمة الجديدة مدنيين من الطائفتين العلوية والمسيحية، مما أثار تساؤلات حول طبيعة "التحرير" المزعوم. فبينما يجب محاسبة المسؤولين عن قتل الجنود الحكوميين، لا يمكن التغاضي عن الجرائم بحق المدنيين الأبرياء. كما أن توجيه الاتهامات إلى جهات خارجية مثل إيران وحزب الله قبل التحقيق في هذه الجرائم لا يعزز سوى الانقسامات الطائفية.

 

تجنب مصير العراق وليبيا

أحد الأخطاء الكبرى التي وقعت فيها دول ما بعد الثورات هو إقصاء واضطهاد المعارضين السياسيين، مما أدى إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار. في سوريا، إذا سارت الحكومة الجديدة في هذا الاتجاه، فإنها تخاطر بإطالة أمد النزاع. لا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية إلا من خلال المصالحة والشمولية، بدلاً من الانتقام والتهميش.

تشير الأحداث الأخيرة إلى أن القيادة السورية الجديدة لم تتعلم من تجارب العراق وليبيا، حيث أدى إسقاط صدام حسين والقذافي إلى صراعات داخلية مدمرة بدلاً من تحقيق الديمقراطية. يجب على سوريا تجنب هذه الأخطاء لضمان مستقبل مستقر وعادل لشعبها.

 

مسؤولية الحكومة الجديدة

إذا أرادت الحكومة الجديدة بناء سوريا عادلة ومستقرة، فعليها اتخاذ خطوات حاسمة، أهمها: إجراء تحقيقات شفافة ومحايدة في الجرائم الأخيرة، ومحاسبة الجناة بغض النظر عن انتماءاتهم. وتجنب استخدام الطائفية كأداة سياسية، والتركيز على بناء دولة تمثل جميع السوريين. إشراك القوى الإقليمية المهمة، مثل إيران والمقاومة اللبنانية، بدلًا من تحميلها مسؤولية عدم الاستقرار: فالتعاون مع هذه القوى يمكن أن يعزز وحدة سوريا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بدلًا من تعميق الانقسامات الداخلية. وبناء نظام سياسي يشمل جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو السياسية، لأن تهميش أي مجموعة سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات. وأخيرا، ضمان استقلالية سوريا وعدم السماح للقوى الأجنبية بالتأثير على سيادتها الوطنية.

 

الحفاظ على دور سوريا في المقاومة

لا يمكن لأي حكومة سورية أن تكتسب شرعيتها إذا تخلت عن دور سوريا التقليدي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. يجب على القيادة الجديدة أن تدرك أن الحفاظ على السيادة الوطنية لا يعني فقط بناء نظام عادل، بل أيضًا التمسك بحقوق سوريا الإقليمية وموقفها في الصراع العربي الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق الذي وقعته الحكومة الجديدة مع قوات سوريا الديمقراطية لدمجها في مؤسسات الدولة يعد خطوة إيجابية، لكنه لن يكون كافيًا ما لم يشعر جميع السوريين بأنهم جزء من وطن موحد، وليس مجرد أفراد في كيانات طائفية أو عرقية منفصلة.

 

مستقبل سوريا: بين الاستقرار والفوضى

لا يزال مستقبل سوريا غير واضح، لكن القرارات التي تُتخذ اليوم ستحدد ما إذا كانت البلاد ستتجه نحو السلام أو ستغرق في صراعات طويلة الأمد. يجب على السوريين مراقبة حكومتهم والمطالبة بالشفافية والمحاسبة. كما يجب أن يحرصوا على ألا يستبدلوا نظامًا قمعيًا بآخر، بل أن يبنوا دولة تقوم على الحقوق والعدالة للجميع.

التحرر الحقيقي لا يكمن فقط في إسقاط الديكتاتوريات، بل في تأسيس نظام يحترم حقوق الإنسان ويضمن المساواة لجميع المواطنين. إذا لم يتم اتخاذ خطوات جدية لحماية المدنيين وتعزيز سيادة القانون، فقد يعيد التاريخ نفسه، مما سيؤدي إلى نتائج مأساوية للأجيال القادمة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250314-syria-dangling-between-the-past-present-and-the-future/