شهدت الدوائر الدبلوماسية في السنوات الأخيرة نقاشات متزايدة حول مبادرة "الناتو العربي"، والتي عادت إلى الواجهة مجددًا في العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة. تروج واشنطن وتل أبيب لهذه الفكرة باعتبارها ضمانًا لأمن الدول العربية، لكن هل يمكن الوثوق في هذه الادعاءات؟
أداة للضغط وليس لضمان الأمن
في الواقع، يبدو أن هذه المبادرة ليست سوى وسيلة لاستنزاف دول الخليج وتقديم التنازلات، أكثر من كونها آلية فعالة لحماية أمنها.
يشبه هذا الدور ما قامت به منظمة "الناتو" الأصلية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث استُخدمت للضغط على الحلفاء الأوروبيين بدلاً من توفير حماية حقيقية لهم.
ومن المتوقع أن يلقى "الناتو العربي" المصير ذاته، حيث سيُجرّ العرب إلى صراعات تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بدلًا من تحقيق أمنهم القومي.
تصعيد التوترات بدلًا من تحقيق الأمن
منذ طرحها، واجهت مبادرة "الناتو العربي" انتقادات واسعة، نظرًا لطبيعتها وأهدافها.
فبدلًا من تقليل التوترات في الشرق الأوسط، من المرجح أن تؤدي إلى إذكاء صراعات جديدة.
إن انخراط الدول العربية في تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل قد يؤدي إلى تشكيل محاور جديدة ويزيد من المخاطر الأمنية في المنطقة، مما قد يؤدي إلى سباق تسلح وتصعيد المواجهات العسكرية، بدلاً من إنشاء "منظمة أمن جماعي" حقيقية.
تحالف موجه ضد إيران
من بين أبرز الانتقادات الموجهة لهذا المشروع هو تركيزه على تشكيل جبهة معادية لإيران؛ فبدلاً من السعي إلى الدبلوماسية والحوار، يدفع هذا التحالف المنطقة نحو مزيد من العداء والتوتر.
معالجة قضايا الشرق الأوسط لا تتم من خلال المواجهات العسكرية، بل من خلال معالجة المشاكل الداخلية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن المرجح أن يؤدي التصعيد مع إيران إلى تعزيز حالة عدم الاستقرار الإقليمي، بدلاً من تحقيق السلام.
انقسامات داخلية بين الدول العربية
يفترض المشروع أن الدول العربية يمكنها توحيد مصالحها الأمنية، لكن الواقع يعكس وجود خلافات تاريخية وسياسية واقتصادية عميقة بين دول الخليج نفسها، مثل الخلافات بين السعودية وقطر أو بين الإمارات والبحرين.
في ظل هذه التوترات، من غير المرجح نجاح تحالف عسكري موحد، مما يعزز الشكوك بأن الهدف الحقيقي لهذا التحالف هو تعزيز النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، وليس تحقيق المصالح الأمنية للدول العربية.
عدم موثوقية الالتزامات الأمنية الأمريكية
التجارب التاريخية أثبتت أن الاعتماد على السياسات الأمنية الأمريكية لا يضمن استقرارًا طويل الأمد.
فقد تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها في عدة مناسبات عندما لم تعد مصالحها تتطلب الالتزام بتعهداتها.
ومن الأمثلة البارزة، انسحاب واشنطن المفاجئ من فيتنام، مما أدى إلى سقوط جنوب فيتنام أمام الشمال.
كما أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 زاد من التوترات في الشرق الأوسط وأظهر كيف يمكن لواشنطن أن تتخلى عن التزاماتها دون اعتبار لمصالح شركائها.
حتى داخل "الناتو" التقليدي، شككت واشنطن مؤخرًا في مدى التزامها بالدفاع المشترك وفقًا للمادة الخامسة من المعاهدة، حيث صرح الرئيس السابق دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة قد تمتنع عن دعم حلفائها إذا لم يلتزموا بزيادة إنفاقهم الدفاعي.
هذه السوابق التاريخية تعزز الشكوك حول مدى مصداقية واشنطن في الوفاء بتعهداتها الأمنية تجاه الدول العربية.
نحو أمن إقليمي مستقل
في ظل هذه المعطيات، لا يمكن اعتبار تبعية الدول العربية للولايات المتحدة في القضايا الأمنية خيارًا استراتيجيًا مستدامًا؛ فالتجارب الماضية أثبتت أن واشنطن قد تتراجع عن التزاماتها في أي لحظة إذا تعارضت مع مصالحها.
ولذلك، فإن الطريق الوحيد لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط هو تعزيز الجهود الدبلوماسية وإنشاء إطار أمني إقليمي يقوم على التعاون وبناء الثقة بين الدول العربية، بدلاً من الاعتماد على دعم القوى الخارجية.
على الدول العربية أن تركز على تطوير قدراتها الدفاعية الذاتية ووضع آليات لحل النزاعات بناءً على المصالح المشتركة، بدلاً من الانجرار وراء تحالفات غير مضمونة العواقب.
إن تحقيق الأمن الإقليمي لا يكون من خلال تحالفات عسكرية مشبوهة، بل من خلال سياسات مستقلة تخدم مصالح شعوب المنطقة وتقلل من التوترات بدلاً من تفاقمها.
https://www.middleeastmonitor.com/20250318-the-arab-nato-is-a-us-security-trap-for-gulf-countries/